vendredi 9 juin 2017

غزوة بدر الكبرى



خطبة غزوة بدر الكبرى

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده؛ ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إنه كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله،أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
عباد الله: إن في سيرة النبي العطرة أحداث عظيمة جليلة مُلئت علمًا وحكمة وإيمانًا، سيرة ملئت ثباتًا وصبرًا وإيقانًا، سيرة ملئت حلمًا ورحمة وبرًا وفضلاً وإحسانًا، في حيّز زمانيّ لم يتجاوز ثلاثة وعشرون عامًا حمل فيها رسالة الله وبلغ فيها شريعة الله، ما ترك باب خير إلا دلنا عليه، ولا سبيل رشد إلا هدانا إليه، وزاده تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا.حتّى فارق الدّنيا وقد تركنا بدين أكمله الله تعالى على يديه ، هدى وتوفيقا وفوزا في الدّنيا والآخرة ..
ولعلّ من أجلّ الحداث التي سجّلها التّاريخ بل وسجّلها القرآن الكريم ، بأدقّ التّفاصيل ، غزوة سمّاها المولى عزّ وجلّ : يوم الفرقان ،هي تحديدا في هذا الشّهر المعظّم ، بل وبالتّحديد في مثل هذا اليوم السّابع عشر من رمضان 
نعم ،إنّه في مثل هذا اليوم من رمضان نصر الله المؤمنين في أوّل معركة يخوضونها مع قوى البغي والشّرك، يقول تعالى: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال:5-8].
يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم أعز الله فيه جنده ونصر فيه عبده وأذل فيه من عاداه ، يوم الفرقان، يوم خاضه رسول الله بالثبات واليقين والإيمان، خاضه مع الصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم وبوأهم دار السلام، ثلاث مائة وأربعة عشر رجلاً ما على وجه الأرض يومها أحب إلى الله منهم، رجال نادى عليهم منادي الله: يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، رجال قلوبهم نقية زاكية، وهممهم شريفة سامية عالية، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، على قلّتهم كانوا على قلب رجل واحد ،ضربتهم واحدة وصدّهم واحد ، والله معهم ،والرّسول قائدهم فأنّى يهزموا ؟؟
أمّا عن تفاصيل هذه المعركة ، فكتب السّيرة العطرة زاخرة بتفاصيلها ، كما انّ المقام والزّمان لا يتّسع لذكرها
لكن يكفي أن نذكر الأسباب الموضوعيّة لها : فقد بلغ رسول الله أنّ عيرَ أبي سفيان قد أقبلت، فخرج رسول الله إليها لأخذها غنيمة، ولم يكن يريد قتالا، ولكن القافلة نجت بعد أن كان أبو سفيان قد أرسل إلى قريش يستنفرها للحماية، فخرجت قريش في نحو من ألف مقاتل، أمّا المسلمون فكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، أكثرهم من الأنصار، فجادل المسلمون رّسول الله وبيّنوا له خوفهم من قتال المشركين الأكثر عَددا وعُددا، وأنّهم ما أرادوا إلاّ الغنيمــة، وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال:7]. لقد أرادوها غنيمة وأرادها الله ملحمة، أرادوها عرضا زائلا وأرادها الله موقعة بين الحقّ والباطل، ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ويزهقه، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ [الأنفال:8].
لقد أراد الله لهذه الجماعة المسلمة أن تصبح أمّة وأن يصبح لها قوّة وسلطان عن استحقاق لا عن جزاف، وبالجهد والجهاد وبتكاليف الجهاد ومعاناتها في عالم الواقع وفي ميدان القتال، وأراد الله أن يعلّمها ويعلّم الأمّة من بعدها أنّ النّصر ليس بالعدد وليس بالعدّة وليس بالمال والزّاد، إنّما هو بمقدار اتصال القلوب بقوّة الله الّتي لا تقف لها قوّة العباد، وأن يكون هذا كلّه عن تجربة واقعيّة لا عن مجرّد تصوّر، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمّد:7، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحجّ:40].
وتدور معركة بدر كلّها بأمر الله ومشيئته وتدبيره وقدره، وتسير بجند الله وتوجيهه،
أيّها الإخوة الكرام ، وقفتنا اليوم أمام هذه الغزوة الفرقان ؛ لكي نستلهم منها العظات والعبر،، أعظمها وأجلها :

ــ أن الإسلام كلمة الله الباقية ورسالته الخالدة باقية ما بقي الزمان وتعاقب المكان بعز عزيز وذل ذليل، هذا الإسلام الذي كتب الله العزة لمن والاه، وكتب الذلة والصغار على من عاداه، كلمة باقية ورسالة خالدة زاكية.
ــ أن الصبر مفتاح الفرج فما ضاقت الأمور على من صبر، الصبر مفتاح الخير.
ــ أن مع العسر يسرًا، وأن عاقبة الصبر خير واصبر وما صبرك إلا بالله ، صبر حبيب الله ورسول الله فأقر الله عينه ونصر الله حزبه بلى إن تصبروا وتتقوا / فإن وجدت عبدًا من عباد الله قد صُبت عليه المحن والبلايا من الله فصبر لله ، فبشره بحسن العاقبة والمآل من الله ، ولقد صدق رسول الهدى إذ يقول: ((ما أعطي عبد عطاء أفضل من الصبر)) . فبالصبر يتوسع ضيق الدنيا، وبالصبر تتبدد همومها وغمومها وأحزانها، يطيب العيش وترتاح النفوس وتطمئن القلوب، فمن صبر واتقى جعل له ربه من كل همّ فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا. صبرًا يا أهل الإسلام في زمان عظمت كربه، في زمان اشتدت بلاياه ومحنه، حيثما وليت بناظريك رأيت الأشجان والأحزان، نساء وأرامل وأطفال وثكالى، في بلاد الإسلام يتقاتلون ، أصبح دم المسلم رخيصا مهدورا ،تفرّقت الصّفوف ، وانشقّت الكلمة وتباعدت القلوب ، والأسعد اليوم هم أعداء الإسلام ، الذين أدركوا أنّ قوّة المسلمين في اتّحادهم ، فاتّحدوا وفرّقونا ، ومع ذلك ، نأمل أن يوحّد الله صفّنا بصلاتنا وصيامنا وقيامنا ودعائنا .... فغزوة بدر تعلّمنا أن من أسباب النصر العظيمة تآلف القلوب وتراحمها، كان أصحاب النبي في قلة من العدد والعدة، ولكن كانت بينهم المحبة والصفاء والمودة، كانوا متراحمين متعاطفين متآلفين متكاتفين متناصرين متآزرين، شعارهم: لا إله إلا الله فسبحان من أعزهم وهم أذلاء، سبحان من أغناهم وهم فقراء، سبحان من رفعهم وهم ضعاء.
التآلف والتعاطف والتكاتف والتناصر والتآزر سبيل إلى نصر المؤمنين، طريق لعزة الأخيار والصالحين، فإن وجدت أهل الإسلام متعاطفين متراحمين فاعلم أن النصر حليفهم، وإن وجدتهم متقاطعين متباعدين متناحرين، إن مزقتهم الجماعات والحزبيات والرايات والشعارات فادمع على الإسلام بين أهله.
عباد الله: وقفنا أمام غزوة بدر الكبرى، فاستلهمنا منها مواقف المحبة والرضا من أصحاب رسول الله ، وجدناهم تحت رايته لا يقولون غير قوله، لا يتقدمون عليه ولا يؤخرون أمراً أمر بإمضائه صلوات الله وسلامه عليه، سلام عليهم يوم قالوا: (يا رسول الله امض لما أمرك الله، وصل حبال من أردت، واقطع حبال من شئت، فإنا سِلمٌ لمن سالمت، وحرب لمن حاربت، وخذ من أموالنا ما شئت، والله ما أخذت منها أحب إلينا مما تركت) [4]، سلام عليهم من الله ورحمات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [الأحزاب:23].
اللهم يا فاطر الأرض والسموات أسبغ عليهم شآبيب الرحمات وبوئهم المنازل العلى في الجنات واجمعنا معهم مع الآباء والأمهات والإخوان والأخوات والأبناء والبنات يا مصلح الأحوال والشئون.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire