dimanche 2 mars 2014

اصلاح ذات البين والإصلاح بين الناس من أهم أبواب الخير

لمشاهدة فيديو المحاضرة:

وهذا نص المحاضرة :
محاضرة حول الصلح وأهميته بين المسلمين 
إصلاح ذات البين 

التآلف والاجتماع من مقاصد الشريعة 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].أما بعـد:فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار

إصلاح ذات البين من العبادات الجليلة التي رغب عنها الكثير من الناس، مع ما فيها من الأجر الجزيل والخير العميم؛ فإن من مقاصد التشريع تحقيق المودة والألفة بين الناس، وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن إصلاح ذات البين أعلى درجة من الصلاة والصيام والصدقة.وقد كثرت النزاعات على مستوى المجتمع بين عامة الناس وعلى مستوى الزوجين، ومما يمكن أن يساعد في تقليل الخلاف ورأب الصدع إحياء هذه العبادة الجليلة. 
هذا العمل الجليل ما مدى أهميته لديك أخي القارئ ؟ هل تدرك فائدته ومميزاته في حل الخلافات ؟ وهل تحرص عليه في حل مشاكلك أم تبادر إلى المحاكم والقضاء في أي خصومة ؟ وهل تدرك ضرر رفع القضايا إلى المحاكم خاصة إذا كانت بين ذوي قربى أو ذوي هيئات من الناس ؟ وهل تراعي حق القرابة والجوار فتسعى أولا إلى الصلح ؟وهل تبادر  إلى التدخل والإصلاح بين الناس إذا ما علمت بخصومة بينهم أم تتركهم لأهل الشر والإفساد والنميمة ؟وهل تشجع الناس عند حضور الخصومة إلى التصالح والوفاق ؟وهل تدرك كيفية الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل ؟ وهل تراعي قواعد وآداب الإصلاح بين الناس؟ وهل تعرف أساليب وطرق ومهارات السعي بالإصلاح ؟


.عباد الله: إن الشريعة قد رغبت في جمع القلوب والإصلاح بين الناس وأن يكون أمر المسلمين مجتمعاً، ولذلك جعلت الأخوة أمراً مرغوباً فيه، مثاباً عليه لمن قام بحقه، وكذلك دعت إلى رفع ضده ومقاومة كل ما يشينه، ولذلك ترى الشريعة قد أمرت بإفشاء السلام، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، وكل ما من شأنه أن يقرب بين المسلمين، ونهت عن الكذب والنميمة والغيبة، وعن الهمز واللمز والسخرية، وعن كل ما من شأنه أن يسيء العلاقة ويقطع المودة بين المسلمين، ومن الإجراءات التي جاءت الشريعة بها لأجل الحفاظ على العلاقات بين المسلمين إصلاح ذات البين

·  قال تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) . [الحجرات: 9] .

·  وقال تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً).[النساء: 114]

·  قال تعالى : ( والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ) .[الأعراف: 170] .

·  وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى ، قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح ، وللترمذي           ( لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) .

·  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب سمح البيع ، سمح الشـراء ، سمح القضـاء ) .

·  والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : ( اشفعوا تؤجروا ) أخرجه البخاري ومسلم .

·  ويقول صلى الله عليه وسلم : ( كل سُلامى من الناس عليه صدقة كلَّ يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الاثنين صدقة ) أي تصلح بينهما بالعدل · أخرجه البخاري ومسلم .

·  ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) · أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني .

·  ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة ، وصلاح ذات البين ، وخلقٍ حسن ) ·

·  والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله  في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) . رواه أبو داود وابن ماجه وقال الألباني حديث صحيح  .


.إصلاح ذات البين -يا عباد الله- من الأمور العظيمة والعبادات الجليلة التي تركها كثيرٌ من الناس ورغبوا عنها، ونحن في مجتمعٍ مادي تغلب عليه المادة، وتكثر فيه المعاصي، ولذلك فإن الخلافات لابد أن تكثر تبعاً لذلك، والدعاة إلى الله عز وجل -بل وجميع المسلمين- عليهم واجب إصلاح ذات البين، ومحاولة إزالة ما في النفوس، وهذا من العبادات العظيمة ولا شك. 

ويبين القاضي إياس بن معاوية معنى الصلح بأنه التنازل من الطرفين عن بعض الحق لأجل الإصلاح : عن حبيب بن الشهيد قال كنت جالسا عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله مسألة فطول فيهم فقال إياس إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي وان كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى وان كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل وتدري ما يقول لك يقول لك حط شيئا ويقول لصاحبك زده شيئا حتى نصلح بينكما وان كنت تريد الشغب فعليك بصالح السدوسي وتدري ما يقول لك يقول لك أجحد ما عليك ويقول لصاحبك ادع ما ليس لك وادع بينة غيبا .

 
النبي صلى الله عليه وسلم يصلح بين الناس 
وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية محاولاتٌ وعملٌ دائبٌ منه صلى الله عليه وسلم في الإصلاح بين الناس، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : (أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: اذهبوا بنا نصلح بينهم) أمر أصحابه أن يذهبوا للإصلاح بينهم، وعنون عليه البخاري رحمه الله: باب قول الإمام لأصحابه اذهبوا بنا نصلح.بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب في الإصلاح ولو بعدت المسافة وفاته شيءٌ من الجماعة لأجل الإصلاح بين الناس، كما روى البخاري رحمه الله: أن بني عمرو بن عوف بـقباء كان بينهم شيء، فخرج يصلح بينهم صلى الله عليه وسلم في أناسٍ من أصحابه، فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم إن شئت، فأقام بلال الصلاة، وتقدم أبو بكر رضي الله عنه، فكبر بالناس، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقاً حتى قام في الصف فأخذ الناس في التصفيح....الحديث.تأخر عليه الصلاة والسلام عن صلاة الجماعة وذهب إلى قباء للإصلاح بينهم، كان ممشى خير وأجراً عظيماً، وندب إلى ذلك أصحابه، وكان عليه الصلاة والسلام يشير على المتخاصمين بالصلح.فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصومٍ بالباب عالية أصواتهم، وإذا أحدهم يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء -يقول: دع لي من أصل المال- والآخر يقول: والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله فقال: أين الذي يحلف بالله ألا يفعل الخير؟ فاستحيا الرجل وقال: أنا يا رسول الله، فله أي ذلك أحب، أي: فما أراده من عفو عن بعض المال فأنا راضٍ به،
 فكان عليه الصلاة والسلام يعظ في أمر الصلح ويرغب فيه، ويعظ من رفض الصلح، كما وعظ الذي حلف بالله ألا يقبل بعرض خصمه عليه.وكذلك جاء في صحيح البخاري رحمه الله تعالى: (أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما ، فنادى كعب بن مالك ، فقال: يا كعب ، فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر -أي: تنازل له عن النصف- فقال كعب : قد فعلتُ يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للخصم الآخر: قم فاقضه)
. فكان عليه الصلاة والسلام يشير بالصلح، وقد رأى هذا لا يستطيع الوفاء، والآخر يلح في الطلب، فطلب من أحدهما أن يتنازل عن شيء، وطلب من الآخر أن يقضيه الباقي، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل، وهذه سياسته في أصحابه. 
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي من يوليه ويقول : ( ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن ) ، وكذلك كان السلف رحمهم الله حريصين على هذا الخير ساعين فيه يقول الأوزاعي رحمه الله : ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ) .
وروى أحمد وابن حبان والحاكم- وصححه الحاكم ووافقه الذهبي عن أنس بن مالك أن رجلا قال يا رسول الله إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها فمره أن يعطيني أقيم حائطي بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعطها إياه بنخلة في الجنة فأبى وأتاه أبو الدحداح فقال بعني نخلك بحائطي قال ففعل قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد ابتعت النخلة بحائطي فجعلها له فقال النبي صلى الله عليه وسلم كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة مرارا فأتى امرأته فقال يا أم الدحداح اخرجي من الحائط فإني بعته بنخلة في الجنة فقالت قد ربحت البيع أو كلمة نحوها.
  
الإصلاح بين الناس 
أما الإصلاح بين الناس فإنه واجب، قال الله تعالى: وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] وهذا أمرٌ لابد منه، أصلحوا ما بينكم وبين إخوانكم،
 أصلحوا بين النفوس،
قربوا بينها،
 أزيلوا أسباب العداوة.
والصلح يكون بين متغاضبين كالزوجين،
 ويكون في الجراحات كالعفو على مال،
 ويكون لقطع الخصومة، كما إذا وقعت المزاحمة في الأملاك أو المشتركات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بذلك،
 وقد دلَّ الكتاب والسنة على فضل الإصلاح بين الناس. 
 
فضل الإصلاح بين الناس 
قال الله تعالى في فضل الإصلاح: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].فإذاً.. كثيرٌ من الناس الذين يتسارون ويتناجون ليس في نجواهم خير إلا من قام بالتناجي في الخير وإصلاح ذات البين، فإن هذا مأجور ونجواه مأجورٌ عليها، وقد قال الله تعالى في أجر المصلح بين الناس: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين) رواه الترمذي وأبو داود وإسناده على شرط الشيخين .فلما كان نفع إصلاح ذات البين متعدياً، وخيره عميماً، وفائدته شاملة، صار أجره عظيماً،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضله: (كل سلامى من الناس عليه صدقة) كل مفصل من مفاصل الإنسان من هذه العظام عليه حقٌ واجب يجب على العبد أن يؤديه لربه شكراً على إنعامه على العبدية: (كلُّ سلامى من الناس عليه صدقة كل يومٍ تطلع فيه الشمس؛ يعدل بين اثنين صدقة) فإذا أصلح بينهما وعدل بينهما، أتى بصدقة من هذه الصدقات، وأدى بعض ما عليه من الحق
.ولعظم هذه المسألة جعلت الشريعة إثم الكذب منتفياً عمن يصلح بين الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يكذب من نمى بين اثنين ليصلح) وفي رواية: (ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيراً أو نمى خيراً). ومن أوجه ذلك أن يخبر بما علمه من الخير، ويسكت عما علمه من الشر، فلا ينقله ولا يبلغه، وذهبت طائفةٌ من العلماء إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح، والأحوط أن يأتي بالتورية والتعريض.إذا نقل خيراً أو سئل: هل قال فلانٌ فيّ كذا؟ فنفى ذلك لم يكن كاذباً، مع أن الكذب في الشريعة أمرٌ قبيحٌ جداً، لكن لما كانت مصلحة إصلاح ذات البين أعظم من مفسدة الكذب رخصت فيه الشريعة، ولم تجعل فيه إثماً على من فعله لأجل الإصلاح بين الناس. 
الصلح بين المسلمين المتقاتلين من أعظم الصلح 
ومن أعظم الصلح الصلح بين المسلمين المتقاتلين، لأن إراقة الدماء بين المسلمين من أعظم الكبائر ومما يفرق الصفوف أشد تفريق، ولذلك قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] فهذا أمرٌ بالصلح.
وكذلك فإن الإصلاح بين طالبي الدية في الجراحات مما جاء في السنة، فإن أنساً رضي الله عنه حدث أن الربيِّع بنت النضر كسرت ثنية جارية، اعتدت عليها فكسرت ثنيتها، فطلبوا القصاص فقال أهل الربيِّع : نعطيكم مالاً بدلاً مما فعلته الربيِّع ، أو اعفوا عنها وتنازلوا عن طلب القصاص، فأبوا إلا القصاص، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالقصاص لأنه كتاب الله، فقال أنس بن النضر : أتكسر ثنية الربيِّع يا رسول الله؟! -وكان رجلاً صالحاً من أولياء الله تعالى- لا والذي بعثك بالحق لاتكسر ثنيتها، فقال: يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا، وفجأة تغير الموقف، فرضي القوم فعفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره). 
 
ثمرات الصلح بين المسلمين 
- في القبائل والطوائف :
 مر رجل من اليهود بملأ من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والأُلفة ، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعاث وتلك الحروب ، ففعل ، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوسُ القوم وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ، ونادوا بشعارهم ، وطلبوا أسلحتهم ، وتواعدوا إلى الحرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يُسكنهم ويقول : ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ ) وتلا عليهم ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) [آل عمران: 103] . فندموا على ما كان منهم ،واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم جميعاً ·  ومجاله حل القضايا القبلية المستعصية .

أيها المسلمون: إن فوائد الصلح كثيرة،
 فإنه يثمر إحلال الألفة مكان الفرقة،
 واستئصال داء النزاع قبل أن يستفحل،
 وحقن الدماء التي تراق،
 وتوفير الأموال التي تنفق للمحامين بالحق وبالباطل
، والحماية من شهادة الزور،
 وتجنب المشاجرات والاعتداءات على الحقوق والنفوس
 شرف الحسن بن علي بإصلاحه بين أهل العراق والشام 
الصلح بين الزوجين من أعظم أنواع الصلح 
! ومن أعظم أنواع الصلح الصلح بين الزوجين المتخاصمين،
 فإن الأسر تقوم على المحبة والألفة وتدوم بدوامها،
 فإذا انتهت المحبة والألفة وحل الشقاق، صار الفراق،
 ولابد للمصلحين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة
 والسعي في الإصلاح بين الأزواج،
 وقد قال الله عز وجل عند حصول الشقاق: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].
إذا كانت النية طيبة جاءت النتيجة طيبة: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء
:35]. وندب الله تعالى إلى المصالحة بين المرأة وزوجها، وقال الله عز وجل: فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء
:128].الصلح خيرٌ من الشقاق، الصلح خيرٌ من الفراق، الصلح خيرٌ من البغضاء التي تقوم في النفوس.
 قالت عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً [النساء: 128] قالت: [هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه -كبراً أو غيره- فيريد فراقها، فتقول: أمسكني، واقسم لي ما شئت،
 قالت: ولا بأس إذا تراضيا].فإذا أراد أن يطلقها إيثاراً لزوجته الأخرى مثلاً، فقالت الأولى: أمسكني عند أولادي، وأبيحك من ليلتي، فهذا جائز، وقد جعلت ذلك سودة رضي الله عنها، أو تصطلح معه على أن تضع عنه شيئاً من النفقة، وتتنازل له عن شيءٍ منها من أجل أن تدوم الحياة الزوجية لقوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]. 
في الأزواج والزوجات والأقارب والأرحام :
 جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ : ( أَيْنَ ابْنُ عَمِّك ؟ِ قَالَت:ْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِنْسَان:ٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَال:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ)  رواه البخاري . ومهمته الساعي في هذا الميدان وصل قطع الرحم بإزالة الخلاف وإعادة الالتحام والمودة بين الأسر المتناحرة .

 
التحكيم بين الزوجين من أجل الإصلاح 
وقال تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء
:35] فماذا يفعل الحكمان؟
 يقوم كل واحدٍ منهما بالالتقاء بوكيله أو مندوبه الذي انتدبه، أو طرفه الذي ينوب عنه -وإذا قلنا: إنه حاكم، فإن كلام الحكمين معتمد- ويسمع منه سبب الشقاق والخلاف،
 ثم يجتمع الحكمان فيعتمدان أموراً، ويتوصلان إلى صاحب الخطأ، من هو الطرف المخطئ لأجل وعظه ونصحه، أو وعظ الطرفين إذا كان كلاهما مخطئ،
 والسعي في تقريب وجهات النظر،
 ولذلك فإن من الحكمة أن يذكر الحكمان الزوج بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء، وبقوله صلى الله عليه وسلم في الوصية بالزوجة: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ويقولان له: إن منك يا أيها الزوج أن تعامل زوجتك بالفضل لا بالعدل؛
 الواحدة بواحدة، وإذا فعلت ترد عليها، وإنما تتعامل معها بالفضل وبالمسامحة وبالزيادة منك والتغاضي،
 لأن أهلها استودعوها عندك، وائتمنوك عليها،
 ووثقوا أنك لن تسبب لهم المتاعب بسببها،
وأنها أم أولادك، أو أنها ستكون كذلك مستقبلاً،
 والولد الصالح مما ينتفع به أبوه في الحياة وبالدعاء له بعد الممات،
 وأن الزوجة كالأسيرة بيد زوجها، وليس من الإسلام ولا من المروءة ولا من الشجاعة التي جاء بها الإسلام أن يسيء المسلم إلى أسيرته، أو أسيره، فكيف إذا كانت الأسيرة الزوجة؟
 وأن الزوج الكريم هو الذي لا يستغل قوته وبطشه ولا يتعسف باستعمال سلطته على زوجته على نحوٍ يلحق بها الضرر،
فهذه المعاني إذا قدمها الحكمان إلى الزوج بأسلوبٍ لطيف وقولٍ لين، فالغالب أنها ستؤثر في نفس الزوج، وسيقلع عما أدى إلى الشقاق.
وكذلك ينبغي للحكم من أهل الزوجة أن يكلم الزوجة بمعاني الإسلام،
 ويذكرها بأحكامه المتعلقة بالزوجة في علاقتها بزوجها،
وأن يذكرها بعظيم حق الزوج عليها،
 وأن من حسن معاشرتها له بالمعروف أن تسمعه الكلمة الطيبة اللينة،
 وأن تسارع إلى طاعته فيما أوجبه الشرع عليها من طاعته،
 وفيما يأمرها به زوجها من المباحات،
 وألا تثقل عليه بطلباتها الكثيرة،
 وأن تتحمل عبوسه وصدوده وإساءته
وأن تقابل ذلك بابتسامتها وإحسانها وخدمتها،
فإن الزوج إذا رأى ذلك منها، فسرعان ما يزول عنه العبوس والصدود ويكف عن الإساءة، وعليها ألا تستقصي في طلب الحقوق،
 وإذا أحست بكراهتها له، فلتطرد هذا الإحساس،
 ولتذكر نفسها بأنه قد يجعل الله لها فيما تكرهه الخير الكثير،
 فيرزقها الله منه ولداً تقر به عينها،
 ويزول عن قلبها ما تحسه من كراهة لزوجها.
فتذكير الطرفين بحق كل واحدٍ منهما على الآخر وبالمعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها، مما يجعل أمرهما ليناً سهلاً، والصلح بينهما وشيكاً. 
: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } التي ٱشتكت إلى الله هي خَوْلَة بنت ثعلبة. وقيل بنت حكيم. وقيل ٱسمها جميلة. وخَوْلَة أصح؛ وزوجها أَوْس بن الصَّامِت أخو عُبَادة بن الصامت، وقد مرّ بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فٱستوقفته طويلاً ووعظته وقالت: يا عمر قد كنت تدعى عُمَيْراً، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك أمير المؤمنين؛ فٱتق الله يا عمر؛ فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب؛ وهو واقف يسمع كلامها؛ فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أوّل النهار إلى آخره لازلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خَوْلَة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع ربّ العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ وقالت عائشة رضي الله عنها: تبارك الذي وسِع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خَوْلَة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهي تقول: يا رسول الله! أكل شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني وٱنقطع ولدي ظاهر مني؛ اللهم إني أشكو إليك! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } خرجه ٱبن ماجه في السنن. والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا }
عنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ ، قَالَ : أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْكُوَهُ إِلَيْكَ وَهُوَ يَقُومُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَقَالَ لَهَا : " جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ مُثْنِيَةٍ عَلَى زَوْجِهَا " . فَجَعَلَتْ تُكَرِّرُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ وَهُوَ يُكَرِّرُ عَلَيْهَا الْجَوَابَ ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ سُورٍ الأَزْدِيُّ حَاضِرًا ، فَقَالَ : اقْضِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا . قَالَ : " وَهَلْ فِيمَا ذَكَرَتْ قَضَاءٌ " ؟ ! فَقَالَ : إِنَّهَا تَشْكُو مُبَاعَدَةَ زَوْجِهَا عَنْ فِرَاشِهِ وَتَطْلُبُ حَقَّهَا فِي ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : " أَمَا إِنْ فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاقْضِ بَيْنَهُمَا " . فَقَالَ كَعْبٌ : عَلَيَّ بِزَوْجِهَا . فَأُحْضِرَ ، فَقَالَ : إِنَّ امْرَأَتَكَ هَذِهِ تَشْكُوكَ . فَقَالَ : هَلْ قَصَّرْتُ فِي شَيْءٍ مِنْ نَفَقَتِهَا ؟ قَالَ : لا . فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : يَا أَيها الْقَاضِي الْحَكِيمُ رُشْدُهُ أَلْهَى خَلِيلِي عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ نَهَارَهُ وَلَيْلَهُ مَا يَرْقُدُهْ فَلَسْتُ فِي حُكْمِ النِّسَاءِ أَحْمَدُهُ زَهَّدَهُ فِي مَضْجَعِي تَعَبُّدُهُ فَاقْضَ الْقَضَا يَا كَعْبُ لا تُرَدِّدُهْ قَالَ : فَقَالَ زَوْجُهَا : زَهَّدَنِي فِي فَرْشِهَا وَفِي الْحَجَلِ أَنِّي امْرُؤٌ أَذْهَلَنِي مَا قَدْ نزل فِي سُوْرَةِ النَّمْلِ وَفِي السَّبْعِ الطِّوَلْ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَخْوِيفٌ جَلَلْ فَقَالَ كَعْبٌ : إِنَّ لَهَا حَقًا عَلَيْكَ يَا رَجُلْ تُصِيبُهَا فِي أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقِلْ قَضِيَّةٌ مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلْ فَأَعْطِهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعِلَلْ إِنَّ خَيْرَ الْقَاضِي مَنْ عَدَلَ وَقَضَى بِالْحَقِّ جَهْرًا وَفَصَلْ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لَكَ مِنَ النِّسَاءِ أَرْبَعًا فَلَكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا تَعْبُدُ فِيهَا رَبَّكَ وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : " وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ أَمْرَيْكَ أَعْجَبُ ؟ أَمِنْ فَهْمِكَ أَمْرَهُمَا أَمْ مِنْ حُكْمِكَ بَيْنَهُمَا ؟ اذْهَبْ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ قَضَاءَ الْبَصْرَة " .
الله الله, انظرماذا  قال سلمان الفارسي لأبي ذر رضي الله عنهما . (وهذا حين قدم لزيارته, وقد أخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله عنهما  ,فوجد أم ذر مبتذلة الهيئة , فقال ما سبب هذا الابتذال يا أم ذر ؟ , فقالت إن أخاك ليس له حاجة إلى النساء , أو كما قالت , فقال وأين الأن هو ؟ قالت في المسجد معتكفا ., فذهب إليه , وقال يا أبا ذر إن لربك عليك حق , ولنفسك عليك حق , ولأهلك عليك حق )


حالات يمتنع فيها الإصلاح بين الخصوم :
·  يحرم الصلح إذا كان في حق من حقوق الله أو مما لا يجوز الاعتياض فيه كالحدود مثل الزنا واللواط والسرقة فإذا وقعت خصومة في مثل هذه القضايا  فلا يجوز الإصلاح فيها أو الشفاعة ولا يجوز التنازل  لأنها حق من حقوق الله ولا يملك احد إسقاط هذا الحق، أما حقوق العباد فهي تقبل الصلح بالإسقاط أو المعاوضة عليها .

·  وكذلك يمتنع الصلح إذا تبين أن احد الخصوم ظالم ومعتد في خصومته وأن قصده الإضرار بالآخرين ونهب حقوقهم  ؛ فعندئذ يحرم السعي  في الصلح إلا أن يراد نصحح وتخويف بالله  فإن أبى فيجب أن يردع عن فعله ويعاقب ؛ لأن الصلح تنازل من الطرفين وتجاوز عن بعض الحق فإذا أعطي الظالم  وتنازل له المظلوم عن بعض حقه وهو مبطل نكون قد أعنا الظالم على المظلوم  وكافأناه على ظلمه وكان في هذا الصلح سبيلا للتحايل لأخذ حقوق الناس بغير وجه حق .


بعض شروط الصلح بين المتخاصمين
1. أن لا يشترط في الصلح إذا تم شرطا مخالفا لحكم الله فان كان مخالفا لحكم الله فانه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط  ) رواه البخاري ولا يتضمن شيئا محرما كأن يكون تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ) حديث حسن صحيح رواه أبو داود والترمذي .
2. أن يكون الصلح قد تم بتراض من الجانبين المتخاصمين لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه النووي في المجموع شرح المهذب .
3. أن يكون الحق المتنازع فيه من حقوق العباد التي يجوز الاعتياض عنها . مثل الأموال والديون والدماء  .



المصلح بين الناس .. وآدابه 
إذا كان المتدخل في الخصومة غير عاقل لا يحسن التصرف، فإن إفساده أكثر من إصلاحه، وهذا أمرٌ مشاهد، فإن عدداً من الناس يتدخل في القضية لأجل الإصلاح بزعمه، فإذا به يبعد النجعة، ويباعد الشقة، ويتسبب في مزيدٍ من الفرقة، ويحصل الكثير من الخلاف بعد أن كان شيئاً محدوداً، فإذا به يستشري وينتشر
.فنذكر المصلحين الذين يريدون التدخل للإصلاح
:أولاً: أن يبتغوا وجه الله تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً [النساء:35] أي: إذا كانت النية صافية ومُخْلَصَةً لله كانت النتيجة طيبة يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء
:35].ثانياً: الحكمة في التعامل في الأمور، فإن في كثيرٍ من الأشياء بين المتخاصمين حساسيات
.ثالثاً: التكتم: (واستعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلكي تنجح القضية، لابد من التكتم وعدم نشر التفاصيل بين الناس
.رابعاً: أن يذكر كل واحد من المتخاصمين بالله عز وجل، وبحق الآخر عليه، إن كان أخاً في الله يذكر بحقوق الأخوة، وإن كان زوجاً يذكر بحقوق الزوجة، وإن كانت زوجة تذكر بحقوق الزوج.
وكذلك فإنه لا بأس أن تنقل إليه كلمات من الخير على لسان الطرف الآخر، وتكتم عنه أموراً من الشر جاءت على لسان الطرف الآخر، هذا من الحكمة والسياسة في الإصلاح بين المتخاصمين


·      وعليك في هذه الخطبة تذكير الخصوم بالعاقبة :
فيحسن بالمصلح أن يُذكِّر الأطراف المتخاصمة بالعاقبة ؛ فيذكرهم بعاقبة الخصومة , وما تجلبه من الشقاق , وتوارث العداوات , واشتغال القلوب , وغفلتها عن مصالحها . ويذكرهم كذلك بالعاقبة الحميدة للصلح في الدنيا والآخرة , ويسوق لهم الآثار الواردة في ذلك كقوله – تعالى - : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) [البقرة: 237] وكقوله : ( وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ) [آل عمران : 134] وكقوله : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) [الشورى: 40] . ويسوق لهم قصصاً لأناس عفوا , فحصل لهم من العز, والخير ما حصل . وهكذا…

·      ويحرص على التركيز على أهمية الأمور الآتية :
يجب أن يؤكد أنه ليس قاضيا أو حكما وأن هدفه الإصلاح وأنهم لم يجتمعوا في هذا المكان كي يسعى احد الأطراف لإقناعه أو إقناع الطرف الأخر بأنه هو المصيب وأن الأخر هو المخطئ كما يجب أن يخبرهم أن الصلح لن يؤتي ثماره إن أصر احد الطرفين على التعنت والتمسك بوضعه المبدئي  في محاولة لإثبات خطأ الطرف الأخر.
فتستطيع  التدخل بسرية ومراعاة للخصوصية مستعينا بالله وملحا له بالدعاء أن يوفقك لتسوية النزاع ويرزقك الإخلاص في القول والعمل لوجهه تعالى متسلحا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والنصيحة الصادقة  فتلطف الأجواء وتصفي القلوب وتزيل أسباب الخصام  وتوفق بين الآراء حتى يكون الاتفاق ويحل الوفاق ويتم التراضي والوئام  .


وهذا السبيل سبيل المصلحين له أثار أفضل على المتخاصمين في إنهاء الخصومة بالتراضي أفضل بكثير من القضاء في كثير من الحالات  وله إلزامية الحكم  ونفوذه مثل حكم القاضي إذا اتفقوا  وتراضوا بشرط بعد التصالح
فإذا تم الاتفاق والتراضي والوصول إلى حل مقبول من الطرفين فيجب التنبه إلى أمور :

·      الحذر من إلحاق الضرر بأيٍ من الخصوم :
وذلك بالحرص على ألاّ يترتب على الإصلاح إضرار بأحد الأطراف قال رسول الله صل الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) ، ولا بد حتى في الصلح من مراعاة العدل وعدم الظلم والتعدي قال تعالى ( ....فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين ) [الحجرات: 9] .

·      ضرورة  الرضا على ما تم الاتفاق عليه من قبل الخصوم :
 لان المقصود من الصلح هو إنهاء الخصومة وقطعها فإذا انعدم التراضي وأجبر أحد الطرفين على ما لا يريد ظل النزاع قائما ولم تحصل فائدة جهود الإصلاح ثم إن الصلح يكون فيه غالبا تنازل عن بعض حق المدعى وهذا تبرع والتبرع لا يكون إلا برضا من الشخص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( لا يحل مال امرئ  مسلم إلا بطيب نفس منه ) .

سابعا : بعد الاتفاق والتصالح :

·      مشروعية توثيق عقد الصلح والإشهاد عليه :
 حيث أن هذا الإجراء سبب من أسباب درء الخصومات وقطع المنازعات فان غالب الخصومات ترجع إلى عدم وجود بينه عند أحد الخصوم أو كلاهما .وينبغي عند توثيق الصلح الذي تم مراعاة الآتي :أن يكون مبدوءاً ببسم الله الرحمن الرحيم وأن يكتب أسماء المتصالحين كاملة وأن تشتمل الوثيقة على الإشارة إلى نوع المصالحة والأمور التي اشتملت عليها  وذكر الشروط والمستثنيات ونحو ذلك وكذا ذكر من قام بالمصالحة فيما بينهم وأن يذكر الشهود بأسمائهم ويشير إلى حضورهم إن كانوا حاضرين وقت كتابة الوثيقة وأن تشتمل الوثيقة على ذكر تاريخ اليوم والشهر والسنة وأن تشتمل وثيقة الصلح على الإمضاء من أطراف النزاع والشهود ومن قام بالإصلاح  وكاتب الوثيقة وينبغي أن يجعل للوثيقة أكثر من نسخة كأن تكون للخصمين نسختان ويحتفظ المصلح بنسخة عنده .

·      يجب أن ينبه الجميع أنه إذا وقع الصلح بشروطه من شأنه أن يسقط الحقوق :
والدعاوى التي جرت من أجلها المصالحة وأن يؤمن لكل من الطرفين ملكية الأشياء التي سلمها إليه الفريق الآخر أو الحقوق التي اعترف بها . مع العلم أن اثر الصلح يقتصر على الحقوق التي تناولها وحسم الخصومة فيها دون غيرها
·      وأن يتم تنفيذ ما أتفق عليه :
فلابد من الصلح المبرم بين طرفين أو أكثر من إلزام بما اتفق عليه وتنفيذ لآثاره المترتبة على ذلك حيث أن وقوع الصلح مجردا عن آثاره المترتبة على وقوعه وإبرامه وعدم تنفيذها يجعله قريبا من الصلح الأجوف .

·      وإذا لم يتم تنفيذ ما اتفق عليه :
في حالة وقوع الصلح بين المتصالحين  والانتهاء من إبرامه وإمضاءه ولم يحصل من ذلك تنفيذ عملي للصلح كأن يكون ناتجا عنه مماطلة وظلم من أحد أطراف الخصومة فانه يجوز للآخر أن يطلب إما تنفيذ للصلح المتفق عليه مع الإمكان أو فسخ الصلح لأنه تبيّنا بذلك ظلم الخصم الآخر وإيراده المشاقة وإيقاع الضرر بخصمه والضرر يزال .
أيها المسلمون: هذه عبادة أوصى بها الله، وأوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتدبوا أنفسكم للقيام بها، فإن في القيام بها أجراً عظيماً لا يعلمه إلا الله عز وجل.اللهم إنا نسألك أن تجعل قلوبنا عامرةً بذكرك، وأن تطهر قلوبنا من الشرك والنفاق، وأن تطهر ألسنتنا من الكذب، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا إخوةً متحابين في سبيلك، قائمين بحقوقك، عاملين بدينك، اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام والمسلمين، اللهم ارفع راية الدين، واقمع أهل النفاق والشرك يا رب العالمين!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire