الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله
تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن
تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب
أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأتم علينا النعمة بأعظم منهاج شرع (منهاج
الإسلام) (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا)،وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا
محمداً عبد الله ورسوله أدى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح للأمة
وعلمها من جهالة وهداها من ضلالة، وأخرجها من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى
صراط العزيز الحميد، اللهم صل وسلم وبارك على هذا الرسول
الكريم، وارض اللهم عن آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على
ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد،،،،
فيا أيّها الأخوة المسلمون..إنّ إصلاح المجتمعات وإصلاح
الأمم لا يتم إلا بصلاح الأفراد، وصلاح الأفراد يبدأ بصلاح الأنفس،وإصلاح الإنسان
يكون من داخله، من باطنه لا من ظاهره، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
حينما أراد أن ينشئ أمة مؤمنة، ماذا فعل بها؟، إنه بدأ بإصلاح أنفسها، إصلاح
عقولها ،إصلاح وجدانها، إصلاح نواياها وبواعثها وأهدافها، هكذا ظل صلى الله عليه
وسلم ثلاثة عشر عاماً في مكة يعمل ويجتهد لهذا الإصلاح، ولذلك يجب أن نبدأ بإصلاح
الأنفس، أصلح نفسك يصلح المجتمع، غيّر ما بنفسك يتغير التاريخ، (إن الله لا
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لهذا سنتحدّث في هذه الخطبة بعون الله
عن تزكية الأنفس، كيف نزكي أنفسنا ليزكّينا الله عزّ وجلّ؟، كيف نصل إلى الفلاح؟
.. والفلاح هو أن تسلم مما تكره وتفوز بما تحب، الفلاح يبدأ أول ما يبدأ بتزكية
نفسك التي بين جنبيك، (ونفس وما سوّاها، فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من
زكاها، وقد خاب من دسّاها)، قد أفلح في الآخرة وأفلح في الدنيا، حتى الفلاح في
الدنيا لا يمكن أن يتم إلا بتزكية الأنفس.ونحن نحتاج اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى
الفلاح في زحمة الاختلافات الفكريّ والمذهبيّة والحزبيّة ،نحتاج إلى الفلاح
الموصول بالله
أهمية معرفة النفس
خصائص هذه النفس، قواها التي أودعها الله تعالى فيها، سبل إصلاحها
خصائص هذه النفس، قواها التي أودعها الله تعالى فيها، سبل إصلاحها
إنا لنفـرحُ بالأيـامِ نقطعُـها *** وكـلَّ يومٍ يُدني من
الأجـلِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ
قال الله تعالى: ﴿ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها
. إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } * { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً } * { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } * { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ
وَلَقَدْ
خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ * { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ
قَعِيدٌ } * { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
وعندما نطالع الآيات القرآنية التي تحدثت عن النفس نراها قد
تحدثت عن ثلاثة حالات من حالات النفس كما أنها وصفتها بصفات مختلفة منها:النفس الأمارة بالسوء النفس اللوامة والنفس المطمئنة
الصفة الأولى : النفس الأمارة بالسوء
يقودها ابليس يحركها يوجهها يوحي لها :
{ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ
فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ
ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ
وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } * {قَالَ ٱخْرُجْ
مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ
مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }
وهي التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوة وظلم أو حقد أو فخر إلى آخره، فإن أطاعها العبد قادته لكل قبيح ومكروه قال تعالى: إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي فأخبر سبحانه وتعالى عن تلك النفس أنها أمارة وليست آمرة لكثرة ما تأمر بالسوء، ولأن ميلها للشهوات والمطامع صار عادة فيها إلا إن رحمها الله عز وجل وهداها رشدها.
الحذر من النفس الأمارة نكشف أساليبها لنحذرها:أول جريمة
تزيين القتل : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ
قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ
قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ
بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ
ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ
مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ
فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }
الحسد
والاجرام : قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ
تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ
ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
النقمة : { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } * { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } * { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ
ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ }
الظلم : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ
ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ
وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ
رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ
ٱلْفَسَادَ
الدعوة للفاحشة : وَرَاوَدَتْهُ
ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ
هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ
لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
الاعجاب بالنفس:
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ
أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ
رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً
{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ
يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ
إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ
ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ
ٱلصَّابِرُونَ }
حرمان الفقراء ومنع الزكاة : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ
إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * {فَأَصْبَحَتْ
كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * {فَٱنطَلَقُواْ
وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
أكل
أموال بالباطل : إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ
ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِيراً
الخداع
:
يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ
إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
التناقض:
أَتَأْمُرُونَ
ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
النفاق
: إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ
وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ
يعطيك
من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ
الثعلب
، فالنفس الأمارة بالسوء هي التي تتبع هواها بحيث لا ترى أمامها سوى ما تتمنى الحصول عليه من الشهوات بدون أي التفات للشريعة أو للمفاسد الدنيوية والأخروية، ولذا فإن إتباع النفس الأمارة بالسوء يجلب الظلم والضلال، يقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾7. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها
كل نفس بما كسبت رهينة
أمّا بعد : أيّها المؤمنون اعلموا أنّ النفس أمارة بالسوء ولا
بد من جهادها حتى ترتاض للحق، لابدّ من جهاد هذه النفس والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول "المجاهد من جاهد هواه"، المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله،
الكيّس من جاهد نفسه حاسبها وحاكمها وعمل لما بعد الموت، لابد أن تجاهد هواك
وتجاهد نفسك حتى تنتقل من نفس أمارة بالسوء إلى نفس لوامة، وهي التي ذكرها الله
تعالى في قوله (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire