dimanche 21 janvier 2018

سورة النصر

سورة النصر



هذه السورة الصغيرة.. كما تحمل البشرى لرسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ بنصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجاً؛ وكما
توجهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين يتحقق نصر الله وفتحه واجتماع الناس على دينه
إلى التوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار
..
وقد وردت روايات عدة عن نزول هذه السورة نختار منها رواية الإمام
أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال: قالت عائشة: كان
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر في آخر أمره من قوله: "سبحان الله
وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه" قال
:  " إن
ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره
إنه كان تواباً" فقد رأيتها.. {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون
في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}
"

وقال ابن كثير في التفسير: والمراد بالفتح ها هنا فتح
مكة. قولاً واحداً. فإن أحياء العرب كانت تتلوم (أي تنتظر) بإسلامها فتح مكة
يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله
أفواجاً، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً، ولم يبق في سائر قبائل
العرب إلا مُظهر للإسلام ولله الحمد والمنة، وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن
سلمة قال: لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون: دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو
نبي.. "الحديث
"..

عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فدعاهم
ذات يوم فأدخلني معهم. فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال: ما تقولون
في قول الله عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح}؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله
ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً. فقال لي: أكذلك تقول يا
ابن عباس؟ "فقلت لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ أعلمه له. قال: {إذا جاء نصر الله والفتح} فذلك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك
واستغفره إنه كان تواباً}. فقال عمر ابن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول (تفرد به
البخاري)
.

عن ابن عباس كذلك: قال: لما نزلت: {إذا جاء نصر الله
والفتح}.. دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاطمة وقال
:  " إنه
قد نعيت إليّ نفسي
فبكت.
ثم ضحكت. وقالت أخبرني: أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، ثم قال
:  " اصبري
فإنك أول أهلي لحوقاً بي
فضحكت.

إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين
الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان تواباً
}..

في مطلع الآية الأولى الإيحاء يتمثل في قوله تعالى:
{إذا جاء نصر الله..}.. فهو نصر الله يجيء به الله: في الوقت الذي يقدره. في
الصورة التي يريدها. للغاية التي يرسمها. وليس للنبي ولا لأصحابه من أمره شيء،
وليس لهم في هذا النصر يد. وليس لأشخاصهم فيه كسب. وليس لذواتهم منه نصيب. وليس
لنفوسهم منه حظ! إنما هو أمر الله يحققه بهم أو بدونهم. وحسبهم منه أن يجريه الله
على أيديهم، وأن يقيمهم عليه حراساً، ويجعلهم عليه أمناء.. هذا هو كل حظهم من
النصر ومن الفتح ومن دخول الناس في دين الله أفواجاً
..

وبناء على هذا الإيحاء تكريم الله لهم، وإكرامهم
بتحقيق نصره على أيديهم. إن شأنه ـ ومن معه ـ هو الاتجاه إلى الله بالتسبيح
وبالحمد والاستغفار في لحظة الانتصار
.

التسبيح والحمد على ما أولاهم من منة بأن جعلهم أمناء
على دعوته حراساً لدينه. وعلى ما أولى البشرية كلها من رحمة بنصره لدينه، وفتحه
على رسوله ودخول الناس أفواجاً في هذا الخير الفائض العميم، بعد العمى والضلال
والخسران
.

الاستغفار من الزهو الذي قد يساور القلب من سكرة النصر
بعد طول الكفاح، وفرحة الظفر بعد طول العناء. وهو مدخل يصعب توقيه في القلب
البشري. فمن هذا يكون الاستغفار
.

والاستغفار مما قد يكون ساور القلب في فترة الكفاح
الطويل والعناء القاسي، واستبطاء لوعد الله بالنصر، وزلزلة كالتي قال عنها في موضع
آخر
: {أم
حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسآء والضرآء
وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب
فمن هذا يكون الاستغفار.

والاستغفار من التقصير في حمد الله وشكره. فجهد
الإنسان، مهما كان، ضعيف محدود، وآلاء الله دائمة الفيض والهملان
.. {وإن تعدوا نعمة الله لا
تحصوها
فمن
هذا التقصير يكون الاستغفار
..

ثم إن ذلك الشعور بالنقص والعجز والتقصير والاتجاه إلى
الله طلباً للعفو والسماحة والمغفرة يضمن كذلك عدم الطغيان على المقهورين
المغلوبين.


كان هذا هو أدب يوسف ـ عليه السلام ـ في اللحظة التي
تم فيها كل شيء، وتحققت رؤياه
: {ورفع
أبويه على العرش وخروا له سجداً، وقال: يا أبت هـذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها
ربي حقاً. وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجآء بكم من البدو من بعد أن نزغ
الشيطان بيني وبين إخوتي. إن ربي لطيف لما يشآء، إنه هو العليم الحكيم
}

وفي هذه اللحظة يوسف ـ عليه السلام ـ اتجه إلى ربه في
تسبيح الشاكر الذاكر. كل دعوته وهو في أبهة السلطان وفي فرحة تحقيق الأحلام
:

رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث،
فاطر السماوات والأرض، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلماً، وألحقني بالصالحين
وهنا يتوارى الجاه
والسلطان، وتتوارى فرحة اللقاء وتجمع الأهل ولمة الإخوان، ويبدو المشهد مشهد إنسان
فرد يبتهل إلى ربه أن يحفظ له إسلامه حتى يتوفاه إليه، وأن يلحقه بالصالحين عنده.
من فضله ومنه وكرمه
..

وكان هذا هو أدب سليمان عليه السلام وقد رأى عرش ملكه
سبأ حاضراً بين يديه قبل أن يرتد إليه طرفه
: {فما
رآه مستقراً عنده قال: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر
لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم
}

وهذا كان أدب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته
كلها، وفي موقف النصر والفتح الذي جعله ربه علامة له.. انحنى لله شاكراً على ظهر
دابته ودخل مكة في هذه الصورة. مكة التي آذته وأخرجته وحاربته ووقفت في طريق
الدعوة تلك الوقفة العنيدة.. فلما أن جاءه نصر الله والفتح، نسي فرحة النصر وانحنى
انحناءة الشكر، وسبح وحمد واستغفر كما لقنه ربه، وجعل يكثر من التسبيح والحمد
والاستغفار كما وردت بذلك الآثار. وكانت هذه سنته في أصحابه من بعده، رضي الله
عنهم أجمعين
.

وهكذا ارتفعت البشرية بالإيمان بالله، وهكذا أشرقت
وشفت ورفرفت، وهكذا بلغت من العظمة والقوة والانطلاق
..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire