vendredi 10 décembre 2021

الشورى

وأمرهم شورى بينهم خطبة 10/12/2021 الحمد لله الذي قدر فهدى، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، وجعل الشورى نظاماً ومنهجاً ودستوراً، والصلاة والسلام على إمام المصلحين، وخاتم النبيين والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأتم به النعمة وأكمل الدين، وعلى آله وأصحابه الذين نشروا دعوته، وأقاموا سنته، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين. قال ابن عباس: فلما أسروا الأُسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى»؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم بنو العمّ والعشِيرة، أرى أن تأخذ منهم فِديةً، فتكون لنا قوّة على الكفار، فعسىٰ الله أن يهدِيهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يٱبن الخطاب»؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكِّنا فنضرب أعناقهم، فَتُمَكِّن عَلِيّاً من عَقِيل فيضِربَ عنقه، وتمكِّنِّي من فلان نَسِيباً لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدُها. فَهِويَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يَهْوَ ما قلتُ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } المرة الأولى عندما استشارهم في مهاجمة القافلة المرة الثانية استشارهم في قرار المواجهة عندما أعلنت قريش الحرب على المسلمين والمرة الثالثة عندما استشارهم في موضع القتال وكلنا يعرف موقف الحباب بن المنذر وآبار بدر أما الموقف الرابع فهو أخذ الشورى في أمر الأسرى من أعظم الوقفات في غزوة بدر أنها أرست مبدأ الشورى فعلى الرغم من أن النبي يوحي إليه من السماء إلا أنه أراد أن يعلم الأمة أن الخير كل الخير في الشورى وفي رأي الجماعة ولذلك استشار صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذه الغزوة أربع مرات . أربع مرات في حدث واحد يطبق النبي صلى الله عليه وسلم فيه الشورى بين أصحابه على الرغم من أنه قادر على أن يحسم كل هذه الأمور دون شورى ولكنه أراد أن يعلم الأمة الأخذ بالشورى في كل الأمور فهي النجاة. وكذلك استشار صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج لغزوة أحد، كما في البخاري قوله : (وَشَاوَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ ، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ فَلَمَّا لَبِسَ لأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا أَقِمْ . فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَالَ : « لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ » . واستشار أصحابه ي غزوة الخندق فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة فكان من أهم أسباب انتصار المسلمين حيث عجز الكفار واليهود عن اقتحامه يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]. ويقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]. الشورى خلق نبيل ، وصفة كريمة ، وفي كتاب الله عز وجلّ صفة أساسية من صفات المؤمنين ،وقيمة أساسية في حياتهم الاجتماعية، فقد ذكرها الله تعالى واصفا بها المؤمنين ، ومادحا لهم بها ضمن صفات عديدة، حين قال سبحانه وتعالى : ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]. والشورى : هي أن يأخذ الإنسان برأي أصحاب العقول الراجحة والأفكار الصائبة، ويستشيرهم حتى يتبين له الصواب فيتبعه، ويتضح له الخطأ فيجتنبه. والشورى في الإسلام تكون في الأمور التي ليس فيها أمر من الله، أو أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ إنه لا شورى مع وجود نص شرعي. والشورى خلق من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس رأيًا ، وفضلاً عن كونه مؤيدًا بالوحي الإلهي ، إلا أنه دائم المشاورة لأصحابه ،قال أبو هريرة – رضي الله عنه-: ( ما رَأَيْتُ أحدًا قَطُّ كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ). والشورى من خلق الأنبياء فهذا سيدنا إبراهيم يستشير ابنه في أمر رباني متعلق بحياته : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ 102 الصافات والشورى داخل العائلة بين الزوجين : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } دلالة من الله تعالـى ذكره عبـاده علـى أن فرضاً علـى والدات الـمولودين أن يرضعنهم حولـين كاملـين، ثم خفف تعالـى ذكره ذلك بقوله: { لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرِّضَاعَةَ } فجعل الـخيار فـي ذلك إلـى الآبـاء والأمهات إذا أرادوا الإتـمام أكملوا حولـين، وإن أرادوا قبل ذلك فطم الـمولود كان ذلك إلـيهم علـى النظر منهم للـمولود. فإذا أراد الأب أن يفطمه قبل الـحولـين ولـم ترض الـمرأة فلـيس له ذلك، وإذا قالت الـمرأة أنا أفطمه قبل الـحولـين وقال الأب لا. فلـيس لها أن تفطمه حتـى يرضى الأب حتـى يجتـمعا، فإن اجتـمعا قبل الـحولـين فطماه، وإذا اختلفـا لـم يفطماه قبل الـحولـين، وذلك قوله: { فإنْ أرَادَ فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ }. ولما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْن الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [ الأحزاب , آية: 28 - 29]، عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمر على نسائه، وخيرهن بما نصت عليه الآيتان فبدأ بعائشة -رضي الله عنهما- وقال لها "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ" [ البخاري (4785) ] وفي رواية مسلم: "حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ" فقَالَتْ: "أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ " [ مسلم (1478) ]. وهكذا كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- استشار الناس في حرب فارس والروم، وكذلك فعل عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- استشار الناس جميعاً حتى النساء والعامّة في أيّهم يختارون للخلافة بعده، وحوادث الشورى في عهدهما كثيرة ومشهورة. الخطبة 2 ولخلق الشورى ثمرات وفوائد ، تعود على الفرد والمجتمع ، ومنها: – إن الأخذ بالشورى يعتبر عبادة وتقربًا لله عز وجل وتنفيذًا لأمره سبحانه وتعالى: «وشاورهم في الأمر» رغم أن الأمر هنا موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن أتباعه مأمورون أيضًا بانتهاج نهج رسول الله عليه وسلم : - إنّ الشورى مبدأ إسلامي عام لا يختصّ فقط في المجال السياسي بل حتى في الحياة الاسرية والاجتماعية. وصدق الشاعر: رَأْي الجَمَاعَةِ لا تَشْقى البِـلاد به .. رَغْم َالخِلافِ وَرَأْي الفْردِ يُشْقِيهـا 2- إنّ للشورى مجالان، الأول: مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الأمور المتعلقة بهم، والثاني: مشورة المسلمين فيما بينهم على إدارة شؤونهم، فهي دعوة الطرفين إلى الشورى، طرف الحاكم وطرف الرعية. 3- مبدأ التشاور قائم في الأمور المتعلقة بشؤون المسلمين دون الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص. – أن الذي يستشير الناس لا يندم أبدًا، والله -سبحانه- يوفقه للخير، ويهديه إلى الصواب. – ومن ثمرات الشورى وفوائدها : أنه بالشورى يستفيد الإنسان من تجارب غيره، ويشاركهم في عقولهم, وبذلك يتجنب الخطأ والضرر، ويصبح دائمًا على صواب. – ومن ثمرات الشورى وفوائدها : أن الشورى فيها تأليف للقلوب. – ومن ثمرات الشورى وفوائدها : إن في الشورى تنسيق الجهود وتجميعها، والإفادة من الطاقات وعدم تبديدها. – ومن ثمرات الشورى وفوائدها : أنه في الشورى منع للظلم والفردية. – ومن ثمرات الشورى وفوائدها : أن فيها إشاعة حرية الرأي. فهلا اقتدينا برسولنا الأمين، وخلفائه الراشدين، في إعمال الشورى في حياتنا، لتصبح جزء لا يتجزأ من ممارساتنا اليومية، وتأخذ الشورى دورها الحقيقي في أرض الواقع، ونربي عليها أبنائنا وطلابنا لتصبح نظاماً نمشي عليه ونسير به، (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [الشورى : 38]. الدعاء اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، نسألك أن تصلي وتسلم على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلِّ شيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ». اللهم اجعلنا من أهل الشورى، ووفقنا لما تحب وترضى، وخذ بأيدينا إلى كل خير، وأبعدنا عن كل شر، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى آرائنا طرفة عين. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة «اللهم إني أسألك عيشة هنية وميتة سوية ومرادا غير مخز ولا فاضح، اللهم اني أسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العلم وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات وثبتني وثقل موازيني وحقق أمنياتي وارفع درجاتى وتقبل صلاتي واغفر لى خطيئاتى وأسألك العلا من الجنة، اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم أحسن عاقبتنا في الآمور كلها وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة». .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire