vendredi 6 mars 2020

ناصر عزيز- المرض نعمة أم نقمة ؟



خطبة جمعة
6مارس2020 وباء الكورونا ونظرة الإسلام للمرض
الأمل والرجاء في
رحمة الله بنا

الحمدُ للهِ الكريمِ المنان، العزيزِ ذي السلطان،
يُعطي ويَمنع، ويَخفضُ ويرفع، ويَصِلُ ويقطع، ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ ، ﴿ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾  ويَغفرُ للمسيءِ إذا تابَ ، يَنْزلُ كُلَّ
ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلث الليل الآخِرِ (فيقُولُ: هَلْ من مُستَغْفِرٍ؟
هلْ من تائبٍ؟ هل من سائلٍ؟ هلْ من داعٍ؟) نحمده سبحانه على نعمه ، وأشهدُ أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه بعَثَهُ رحمةً لأهلِ
الإيمان، وحُجَّةً على أهل الظلمِ والطغيان،اللهمَّ صلِّ على عبدك ورسولك محمدٍ
وعلى آله وأصحابه عددَ ما نطقَ به اللسان، وسلَّم تسليماً كثيراً
.

أيها الناس اتقوا الله حقَّ التقوى، ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْكَافِرُونَ ﴾
[يوسف: 87].



وباء الكورونا عافانا
وعافاكم الله  الذي حصد بعض آلاف الأرواح
على مستوى الكرة الأرضية من الخطإ الكبير أن نجزم أن
الله جعله عقابا للصين لأنها تعذب وتقتل وتغتصب المسلمين هذا من علم الغيب لا
يعلمه إلا الله تعالى ولا شماتة في المرض ولو في الاعداء
فهذا المرض اصاب
الكبار والصغار فلا حصانة لأحد منه, بصفة عامة الوباء والمرض لا حصانة منه  لطبيب ولا لصيدلاني ولا لأحدٍ من البشرٍ (أيًّا
كان) من المرض والمعاناة والمصائب. الكل له نصيب منها، فلا مندوحة لأحدٍ عن المرض،
فكم من طبيب يعاني من أمراض الحساسية، وكم من زعيم
وقائد مصاب بالسرطان،
وكم من عظيم يعاني آلام الظهر والفقرات ، وكم من طفلٍ
مشوّه أو مُعاق أو ذي عاهة... وكم وكم. بل قد يموت الطبيب من مرض كان يطببه بنفسه
وقد يعيش مريض رغم كل المعطيات والمؤشرات الطبية لموته, كما في رائعة ابي العتاهية:
إِنَّ
الـطَـبـيـبَ بِـطِـبــِّهِ وَدَوائِــهِ
لا
يَـسـتَـطيعُ دِفاعَ مكروهٍ أَتى
ما
لِلطَبيبِ يَموتُ بِالداءِ الَّذي
قَد كانَ
يُبرِئُ جُرحَهُ فيما مَـضى
ذَهَبَ
المُـداوي وَالمُداوى وَالَّذي
جَلَبَ
الدَواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اِشتَرى

حكمة المرض شرعيًا:
1.            
لمعرفة فضل الله عليه بالصحة بفقدانها وتقدير نعمة
العافية بوجودها (تُعرف الأشياء بأضدادها).
كما جاء في القصيدة اليتيمة التي ألّفها "دوقلة المنبجي" كمهر للزواج من
(دعـد) الأميرة العربية
فالوجهُ
مثلُ الصُـبـح مبيضّ والشعـرُ مثل الليل مُـسودّ
ضِـدّان
لما اسـتجمـعا حُسـنـًا والضِدّ يُظهر حُسنَه الضِدّ
يقول ابن
تيمية في منهاج السّنة النّبويّة: (خلقُ أحد الضّدين ينافي خلق الضّد الآخر، فإنّ
خلق المرض الذي يحصل به ذلّ العبد لربه، ودعاؤه، وتوبته من ذنوبه، وتكفيره خطاياه،
ويرقّ به قلبه، ويذهب عنه الكبرياء، والعظمة، والعدوان، يُضادّ خلق الصّحة التي لا
يحصل معها هذه المصالح).
2. ثم شكر الله وحمده عند
معافاته مما ابتلى به غيره كما في المقولة المشهورة (الحمد
لله الذي عافنا مما ابتلى به غيرنا)، ذلك لأن (الصحة تاجٌ على رؤوس الأصِحّاء)

فتغمره طمأنينة النفس وراحة البال.
3. يتعلم من المرض أن
يقنع بقضاء الله وقدره: وضرب لنا صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أروعَ
النماذج في هذا الباب، وحقَّقوا في ذلك أعلى الرُّتب، مُحقِّقين في ذلك قوله عليه
الصلاة والسلام: (وأن تؤمن بالقَدَر خيره وشره).
فإن الله يخلق كل شيء بقدر. فيعرف أن المرض المقدر له انما هو امتحان فـ (رُبّ
ضارّة نافعة) (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ
اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
) النساء:19 وكم من عُسرٍ تلاه يُسر، وكم من
ضيقٍ جاء بعده الفرج وإن تأخر (فكل تأخيرة فيها خيرة).
والمرض مُنحة ربانية تأتي بشكل محنة "إذا أراد الله بعبد خيرا يصب منه"
يعني الخير كل الخير في البلاء.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا،
وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة) رواه الترمذي

فالمرض سُنّة الحياة وقانونه الدائم ليتعلم المرء ان حياته في الدنيا امتحان دائم
ويزداد إيمانه بقضاء الله وقدره، خيرًا كان أم شرًا (شرًا في ظاهره كما يبدو لنا)،
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ) البقرة: 155.
إن أفعال الله تعالى كلها منطوية على الحكمة
التامة، وقد يدرك العباد أو بعضهم شيئًا من هذه الحكمة، وقد تعجز عقولهم القاصرة
عن إدراكها، ولذلك كان مبنى الدين على الإيمان
بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه
سبحانه. وعليه.
.. فما من شيء خلقه الله تعالى وإن كان في وجوده شر نسبي إلا
ومصلحة وجوده أعظم من مفسدتها، وهذا الجزء من الشر لا ينسب لله تعالى ولكن ينسب
إلى مخلوقاته،"وإذا مرضت فهو يشفين"
وإنما ينسب له تعالى الحكمة من خلقه. يقول ابن القيم
في شفاء العليل: (فإن الرب سبحانه لا يفعل سوءًا قط، بل فعله كله حسن وخير وحكمة،
كما قال تعالى: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) (آل عمران: 26). وقال أعرف الخلق به صلى الله
عليه وسلم: والشر ليس إليك.

4. بالمرض يُظهر المرء
أنواعَ التّعبد، فإنّ لله على القلوب أنواعًا من العبوديّة، كالخشية والتواضع.
المرض ينزل بالمسلم من الضُرّ والشّدائد ما يلجئه إلى المخاوف، حتّى يُلجئه إلى
التّوحيد، وتعلّق قلبه بربّه وحده، فيدعوه مخلصًا له
الدّين.
يروى أنّه لمّا أصيب عروة بن الزبير
بالأكلة في رجله (غرغرينا القدم لعلها بسبب داء السكر
Gangrene diabetic) قال: (اللهمّ كان لي بنون سبعة، فأخذت
واحدًا وأبقيت ستةً، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفًا وأبقيت ثلاثةً، ولئن ابتليت
لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت، ثمّ نظر إلى رجله في الطّست بعدما قطعت فقال: إنّ
الله يعلم أنّي ما مشيت بك إلى معصية قطّ وأنا أعلم).
اعتلَّ
الفضل بن سهل وزير المأمون يومًا ولما شُفي جلس للناس فهنؤوه فقال: «إن في العلل
لنعمًا ينبغي للعقلاء أن يعلموها. تمحيص للذنب وتعرض لثواب الصبر، وإيقاظ من
الغفلة، وإذكار للنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة، وحضٌ على الصدقة، وفي قضاء
الله وقدره بعد الخيار».
5. استحثاث الدعاء: روى
الإمام أحمد وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر).
6. قاعدة العزل وأن نعالج قدر الله بقدر الله: خرج عمر بن
الخطاب إلى الشام حتى إذا كان بـسَرْغ لَقِيه أهلُ الأجناد (أبو عبيدة بن الجرَّاح
وأصحابه)، فأخبروه أن الوباءَ قد وقَع بالشام، قال ابن عباس: فقال عمر: ادعُ لي
المهاجرين الأوَّلين فدعوتُهم، فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام،
فاختلفوا؛ فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمر ولا نرى أن تَرجع عنه، وقال بعضهم: معك
بقيَّة الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تُقدِمهم على هذا
الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادعُ لي الأنصار، فدعوتهم له، فاستشارهم
فسلكوا سبيلَ المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: عني، ثم قال: ادع إليَّ مَن
كان ها هنا من مشيخة قريش من مُهاجِرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان،
فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تُقدِمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني
مُصْبِحٌ على ظَهْر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قَدَر
الله، فقال عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - - نعم، نَفِر من قَدَر الله
إلى قدر الله، أرأيتَ لو كانت لك إبل فهبطت واديًا له عُدْوتان، إحداهما: خِصْبة،
والأخرى: جَدْبة، أليس إن رعيتَ الخِصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها
بقدر الله"، قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف وكان متغيِّبًا في بعض حاجته، فقال:
إن عندي من هذا عِلْمًا، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتُم به
بأرض، فلا تَقدَموا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه)، قال:
فحمد اللهَ عمرُ بن الخطاب، ثم انصرف.
الشاهد في القصة هنا هو قول عمرَ رضي الله عنه لأبي
عبيدة: "نعم، نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله"، هذه الكلمة التي
تَفوَّه بها الخليفة المُلْهم أصبحت خالدة تَرُدُّ على كثير من الطوائف المتخبِّطة
في مسائل القضاء والقدر، وتقطع عليهم سيرَهم الباطل، نعم تَفر من المرض إلى
العافية، وتَفِر من الموت إلى الحياة، إن أمكنك ذلك، مع عِلْمك اليقيني أنَّ هذه
الآفات واقعة بك يومًا ما لا محالة، وبقدر الله، ومُتذكِّرًا قول الله تعالى:
(لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد: 38.
7. بذل الأسباب لمراجعة الأطباء، حتى وإن قام بالرقية الشرعية
والسقي بماء زمزم وإكثار الدعاء، وعدم اليأس
، فمثلاً الإصابة بالسرطان لا
تعني الموت به أو عدم إمكانية الشفاء منه كما قد يتصور البعض، روى الإمام مسلم عن
جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء
الداء برئ بإذن الله عز وجل). والمرض قدر الله نداويه بالدواء للشفاء وهو قدر الله
أيضًا.
عن أنس رضي الله عنه قال
: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا )
رواه أحمد
وعن أسامة
بن شريك رضي الله عنه قال : قَالَتْ الأَعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا
نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ
لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ). رواه الترمذي  (الْهَرَمُ) هو الضعف بسبب كبر السن وأمراض
الشيخوخة، فليس له دواء. ولفظ "الداء" في الأحاديث عامة تشمل جميع
الأمراض الباطنية والعقلية والعصبية.
8. ولأجل المرض يتحلى
بالصبر والتحمل والارادة القوية. فالصبر في الدنيا يستجلب الدرجة العالية يوم
القيامة (إنما يوفى الصابرون أجورهم بدون حساب). قال
تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 155،
فعن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: (إنّ عظم الجزاء من عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحبّ
قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرّضا،
)، رواه التّرمذي وهكذا كلما عظُم البلاء
عظُم الجزاء، فالبلاء السهل له أجر يسير، والبلاء الشديد له أجر كبير، وهذا من فضل
الله جل وعلا على عباده، فإذا رضي الإنسان وصبر واحتسب فله الرضى وفي هذا حث على
الصبر على المصائب. ولا ينافي هذا مشروعية سؤال الله العافية، والتحرز من أسباب
المرض والبلاء، والبحث عن الدواء والعلاج بعد حصول مرض ما. واعلم أن التذمر ينافي
الرضا بالقضاء. ولا حرج في إظهار التوجع من الألم، كما لا حرج في الإستشارة الطبية
من المرض. يقول الشاعر:
والصبر مثل اسمه مرٌّ
مذاقته
لكن عواقبه أحلى من العسل
9. المرض ابتلاء لمحو السيئات وزيادة الحسنات. أخرج البخاريّ أنّ النّبي قال:
(ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا همّ ولا حزنٍ ولا أذى، حتى الشّوكة يشاكها إلا كفّر
الله بها من خطاياه).
أن الابتلاء يكون:
1/ تارة لتكفير الخطايا، ومحو السيئات، كما في قول الرسول
صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من همّ، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى
حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه مسلم.
2/ وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال
في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء
الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض
وما عليه خطيئة) رواه البخاري.
3/ وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين،
قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ
لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت:2-3.
فيبتلي الله عباده ليتميز
المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليُعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
4/ وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال
الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر
إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر) رواه أحمد،
وأخرج مسلم من حديث صهيب
قال: قال رسول الله:
(عجبًا لأمر المؤمن، إنّ
أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سرّاء فشكر الله فله أجر، وإن
أصابته ضرّاء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير).
أخرج ابن حبان في صحيحه
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (إنّ الرجل ليكون له
عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها).
فالمؤمن الذي تصيبه السراء والنعمة فيشكر ربه يحصل الخير، وذلك لأن الله يحب
الشاكرين، ويزيدهم من نعمه، قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)
إبراهيم:7.
والمؤمن الذي يصبر على الضراء ينال أجر الصابرين، كقوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
البقرة:155-157.
10. استجابة دعاء المريض له وللآخرين، فالمريض يكون قريبًا من
الله
وفي معيته. فيسأله زوّاره أن يدعو لهم، لأن المرض يُقرّب المريض من
الله تعالى، وهذا قربٌ خاصّ، يقول الله تعالى في الحديث القدسيّ: (بن آدم، عبدي
فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده)، رواه مسلم ،
11. جعل الله المرض محطة لقصم القياصرة وكسر الأكاسرة وتحجيم
الحكام الظلمة الجبابرة. ألم يكن مقتل نمرود العراق بحشرة,
12. لتقوية الأواصر الاجتماعية عند عيادة المريض بين أقارب
المريض وخلانه وأقرانه. وأجر لزيارة المريض وعيادته وهي حق من حقوق المسلم على
المسلم أن يعوده إن مرض وأن يمشي في جنازته إن توفي.
13 . لمعرفة طبائع أهله وعائلته ومعرفة عدوه من صديقه: فعند
الشدائد تُعرف الإخوان، و(رُبّ أخٍ لك لم تلده أمك). وفي الضيق يعرف العدو من
الصديق.
حكمة المرض البليغة
1) لتبيين ضعف الإنسان المُتكبّر وتفاهته حيث أن أبسط
الكائنات مثل الفيروس والبكتيريا والطفيلي يسببون الأمراض التي تجعل الإنسان
مُنهكًا ضعيفًا كرادع له ليتأدب ويتواضع ويعرف حدوده. وما ألطف عبارة الممثل
العالمي كلينت إيستوود
Clint Eastwood نهاية الفيلم (Magnum Force 1973) بمقولته الشهيرة:(على الإنسان أن يعرف
حدوده )
2)لتوازن أعداد البشر ولادةً وموتًا، فالأمراض الفتاكة
والحوادث القاتلة تعيد كفة الميزان لنصابه مع كفة المواليد.
3). لتنشيط جهاز المناعة ضد المرض بتكوين الأجسام المُضادّة.
4)المرض محطة للتفكّر والتدبّر ومراجعة النفس قبل الموت،
والمريض يصبح حكيمًا بعد المرض ويتعظ قبل الموت فيبدأ يأخذ الأمور ويبدأ باتخاذ
قرارات خطيرة في تقسيم أملاك تركته وهو حي يرزق وارجاع حقوق الناس 5) ثم إن المرض العضال هو فرصة للتأمل والتفكير مليًا في
تحقيق الأماني المحرومة فيجند طاقاته لتحقيقها قبل الموت وفوات الأوان. هناك
أغنياء مصابون بأمراض المعدة أو القولون المستعصية والمميتة عملوا وصاياهم قبل
الموت بالتبرع بممتلكاتهم وأموالهم لمستشفيات ولجمعيات خيرية.
6). المرض فرصة لتأمل المريض وهو على فراش الموت لإعادة النظر في
أوليات الحياة فكثير من الغربيين تحول لدين الإسلام، كما في حالة المغني العالمي
كات ستيفنز (
Cat Stevens) بعد مرض التدرن الرئوي والغرق أثناء سباحته في (ماليبو) وكاد
يموت أقسم إنْ أنجاه الله وشفاه سوف يُسلم، وقد أسلم وغيّر اسمه إلى يوسف إسلام (
Yusuf Islam).
وقد يكتب المريض
وصيته  بتحويل أملاكه للجمعيات الخيرية،
فمثلاً شخصية السوبرمان (
Superman) مثـّلها الممثل كرستوفر ريف (Christopher
Reeve
) بعد إصابته
بالشلل إثر سقوطه من حصان صار يشعر بآلام غيره من المصابين بقطع الحبل الشوكي،
تبرع إثرها بأمواله لتمويل البحوث عن نمو وإصلاح الأنسجة العصبية في الحبل الشوكي؛
ولعل الخلايا الجذعية كانت إحدى ثمرات هذه البحوث.

الدعاء
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على  إمامنا وأسوتنا
وحبيبنا محمداً عبدك ورسولك، البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله
وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين،
 اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وفي أهلينا وأموالنا،
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا
وعن شمائلنا ومن فوقنا، اللهم اجمع كلمة هذه الأمة على
الهدى وقلوبها على
التقى، ونفوسها على المحبة وعزائمها على عمل الخير وخير العمل، ونياتها على الجهاد
في سبيلك،لتكون كلمتك هي العليا  اللهمّ أعزّنا بالإسلام وقوّنا بالإيمان
ووفّقنا إلى الإقتداء بسيّد الأنام  واجعله شفيعنا يوم القيامة واسقنا من يده
الكريمة الطّاهرة شربة لا نظمأ بعدها أبدا . اللهمّ من أراد بالإسلام خيرا فوفّقه
إلى كلّ خير ومن أراد بالإسلام شرّا فاجعل كيده في نحره اللهمّ وفّقنا لتلاوة
القرآن على الوجه الذي يرضيك عنّا حتّى نقرأه فنرقى إلى أعلى عليين  اللهمّ
نوّر به قلوبنا وأطلق به ألسنتنا واشف به أمراضنا وفرّج به كرباتنا  وألّف به
بيننا واجعله لنا من النّار سترا وحجابا .اللهمّ يا حيّ يا قيّوم يا من تعلم السرّ
وأخفى نسألك بأنّك الله لا إله إلاّ أنت الرّحمن الرّحيم  أن ترحم ضعفنا
وتشفي مرضانا وتهدي ضالّنا وترحم موتانا   وآخر دعوانا أن الحمد لله 
ربّ العالمين .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire