lundi 9 mars 2020

ما غرك بربك الكريم9مارس2020

تأويل الجزء الثاني من سورة الانفطار : يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك..

9مارس2020
هذا الخطاب: {يا أيها الإنسان} ينادي في الإنسان أكرم ما في كيانه، وهو "إنسانيته" التي بها تميز عن سائر الأحياء؛
ثم يعقبه ذلك العتاب الجميل الجليل: {ما غرك بربك الكريم؟} يا أيها الإنسان الذي تكرم عليك ربك، راعيك ومربيك، بإنسانيتك الكريمة الرفيعة.. يا أيها الإنسان ما الذي غرك بربك، فجعلك تقصر في حقه، وتتهاون في أمره، ويسوء أدبك في جانبه؟ وهو ربك الكريم، الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره؛ وتعقل وتدرك ما ينبغي وما لا ينبغي في جانبه؟
ثم يفصل شيئاً من هذا الكرم الإلهي، فيشير في هذا التفصيل إلى خلقه وتسويته وتعديله؛ وهو القادر على أن يركبه في أي صورة وفق مشيئته. فاختياره هذه الصورة له منبثق من كرمه ومن فضله وحده، على هذا الإنسان الذي لا يشكر ولا يقدر. بل يغتر ويسدر!
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك؟}..
وربه الكريم يعاتبه ، ويذكره هذا الجميل، بينما هو ، سيئ الأدب في حق مولاه الذي خلقه فسواه فعدله..

إن خلق الإنسان على هذه الصورة الجميلة أمر يستحق التدبر الطويل، ،
وإن الإنسان لمخلوق جميل التكوين، سوي الخلقة، معتدل التصميم، وإن عجائب الإبداع في خلقه لأضخم من إدراكه هو، وأعجب من كل ما يراه حوله.
وهناك مؤلفات كاملة في وصف كمال التكوين الإنساني العضوي ودقته وإحكامه وليس هنا مجال التوسع الكامل في عرض عجائب هذا التكوين. ولكنا نكتفي بالإشارة إلى بعضها..

هذه الأجهزة العامة لتكوين الإنسان الجسدي.. الجهاز العظمي. والجهاز العضلي. والجهاز الجلدي. والجهاز الهضمي. والجهاز الدموي. والجهاز التنفسي. والجهاز التناسلي. والجهاز اللمفاوي. والجهاز العصبي. والجهاز البولي. وأجهزة الذوق والشم والسمع والبصر.. كل منها عجيبة لا تقاس إليها كل العجائب الصناعية التي يقف الإنسان مدهوشاً أمامها. وينسى عجائب ذاته وهي أضخم وأعمق وأدق بما لا يقاس!
كمية الدم في جسم الانسان 5 لتر
القلب في الدقيقة  يضخ 10ل في 24 ساعة 14515لتر
طول الأوعية الدموية :100 ألف كم
الكلى تصفي الدم وتخرج منه 3ل في اليوم
الكبد يؤدي أكثر من 100 مهمة أساسية
عدد الخلايا في جسم الانسان : 100 ألف مليار
"
تقول مجلة العلوم الإنجليزية: إن يد الإنسان في مقدمة العجائب الطبيعية الفذة؛ وإنه من الصعب جداً ـ بل من المستحيل ـ أن تبتكر آلة تضارع اليد البشرية من حيث البساطة والقدرة وسرعة التكيف، فحينما تريد قراءة كتاب تتناوله بيدك، ثم تثبته في الوضع الملائم للقراءة. وهذه اليد هي التي تصحح وضعه تلقائياً. وحينما تقلب إحدى صفحاته تضع أصابعك تحت الورقة. وتضغط عليها بالدرجة التي تقلبها بها، ثم يزول الضغط بقلب الورقة. واليد تمسك القلم وتكتب به. وتستعمل كافة الآلات التي تلزم الإنسان من ملعقة، إلى سكين، إلى آلة الكتابة. وتفتح النوافذ وتغلقها، وتحمل كل ما يريده الإنسان.. واليدان تشتملان على سبع وعشرين عظمة وتسع عشرة مجموعة من العضلات لكل منهما".

و "إن جزءاً من أذن الإنسان (الأذن الوسطى) هو سلسلة من نحو آلاف (قوس) دقيقة معقدة، في الحجم والشكل، ويمكن القول بأن هذهالأقواس تشبه آلة موسيقية. ويبدو أنها معدة بحيث تلتقط وتنقل إلى المخ، بشكل ما، كل وقع صوت أو ضجة، من قصف الرعد إلى حفيف الشجر
"ومركز حاسة الإبصار في العين التي تحتوي على مائة وثلاثين مليوناً من مستقبلات الضوء وهي أطراف الأعصاب، ويقوم بحمايتها الجفن ذو الأهداب الذي يقيها ليلاً ونهاراً، والذي تعتبر حركته لا إرادية، الذي يمنع عنها الأتربة والذرات والأجسام الغريبة، كما يكسر من حدة الشمس بما تلقي الأهداب على العين من ظلال. وحركة الجفن علاوة على هذه الوقاية تمنع جفاف العين، أما السائل المحيط بالعين والذي يعرف باسم الدموع، فهو أقوى مطهر...".
"وجهاز الذوق في الإنسان هو اللسان، ويرجع عمله إلى مجموعات من الخلايا الذوقية القائمة في حلمات غشائه المخاطي. وتتأثر عند الأكل الأعصاب الذوقية، فينتقل الأثر إلى المخ. وهذا الجهاز موجود في أول الفم، حتى يمكن للإنسان أن يلفظ ما يحس أنه ضار به، وبه يحس المرء المرارة والحلاوة، والبرودة والسخونة، والحامض والملح، واللاذع ونحوه. ويحتوي اللسان على تسعة آلاف من نتوءات الذوق الدقيقة، يتصل كل نتوء منها بالمخ بأكثر من عصب. فكم عدد الأعصاب؟ وما حجمها؟ وكيف تعمل منفردة، وتتجمع بالإحساس عند المخ"؟.

"
ويتكون الجهاز العصبي الذي يسيطر على الجسم سيطرة تامة من شعيرات دقيقة تمر في كافة أنحاء الجسم. وتتصل بغيرها أكبر منها. وهذه بالجهاز المركزي العصبي. فإذا ما تأثر جزء من أجزاء الجسم، ولو كان ذلك لتغير بسيط في درجة الحرارة بالجو المحيط، نقلت الشعيرات العصبية هذا الإحساس إلى المراكز المنتشرة في الجسم. وهذه توصل الإحساس إلى المخ حيث يمكنه أن يتصرف. وتبلغ سرعة سريان الإشارات والتنبيهات في الأعصاب مائة متر في الثانية".
الجهاز العصبي طوله 150 ألف كم
عدد الخلايا في دماغ الانسان:100 مليار بها تحلل المعلومات وترى وتكذب وتصدق الخداع البصري وتخزن المعلومات


"ونحن إذا نظرنا إلى الهضم على أنه عملية في معمل كيماوي، وإلى الطعام الذي نأكله ، فإننا ندرك تواً أنه عملية عجيبة. إذ تهضم تقريباً كل شيء يؤكل ما عدا المعدة نفسها!"

"
فأولاً نضع في هذا المعمل أنواعاً من الطعام فنحن نأكل شرائح اللحم والكرنب والحنطة والسمك المقلي، وندفعها بأي قدر من الماء"..

"
ومن بين هذا الخليط تختار المعدة تلك الأشياء التي هي ذات فائدة. وذلك بتحطيم كل صنف من الطعام إلى أجزائه الكيماوية وتعيد تكوين الباقي إلى بروتينات جديدة، تصبح غذاء لمختلف الخلايا. وتختار أداة الهضم الجير والكبريت واليود والحديد وكل المواد الأخرى الضرورية، وهي تخزن الدهن والمواد الاحتياطية الأخرى، للقاء كل حالة طارئة، مثل الجوع، وتفعل ذلك كله بالرغم من تفكير الإنسان أو تعليله.
" وكل جهاز من أجهزة الإنسان الأخرى يقال فيه الشيء الكثير. ولكن هذه الأجهزة ـ على إعجازها الواضح ـ قد يشارك فيها الحيوان في صورة من الصور. إنما تبقى له هو خصائصه العقلية والروحية الفريدة التي هي موضع الامتنان في هذه السورة. بصفة خاصة: {الذي خلقك فسواك فعدلك}. بعد ندائه: {يا أيها الإنسان}..

هذه المدركات.. نفرض أنها كلها تصل إلى المخ عن طريق الجهاز العصبي الدقيق. ولكن أين يختزنها! إنه لو كان هذا المخ شريطاً مسجلاً لاحتاج الإنسان في خلال الستين عاماً التي هي متوسط عمره إلى آلاف الملايين من الأمتار ليسجل عليها هذا الحشد من الصور والكلمات والمعاني والمشاعر والتأثرات، لكي يذكرها بعد ذلك، كما يذكرها فعلاً بعد عشرات السنين!
هذه هي إحدى خصائص الإنسان المميزة.. وهي مع هذا ليست أكبر خصائصه، وليست أعلى مميزاته. فهنالك ذلك القبس العجيب من روح الله..
هذا الروح الذي لا يعرف الإنسان كنهه. ويصله بالملأ الأعلى، ويهيئه للحياة المرسومة بحياة الجنان والخلود. وللنظر إلى الجمال الإلهي في ذلك العالم السعيد!

هذا الروح هو هبة الله الكبرى لهذا الإنسان. وهو الذي به صار إنساناً. وهو الذي يخاطبه باسمه: {يا أيها الإنسان}.. ويعاتبه ذلك العتاب المخجل! {ما غرك بربك الكريم؟} هذا العتاب المباشر من الله للإنسان. حيث يناديه ـ سبحانه ـ فيقف أمامه مقصراً مذنباً مغتراً غير مقدر لجلال الله، ولا متأدب في جنابه.. ثم يواجهه بالتذكير بالنعمة الكبرى. ثم بالتقصير وسوء الأدب والغرور!

إنه عتاب مذيب.. حين يتصور "الإنسان" حقيقة مصدره، وحقيقة مخبره، وحقيقة الموقف الذي يقفه بين يدي ربه، وهو يناديه النداء، ثم يعاتبه هذا العتاب:

{
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك}..
ثم يكشف عن علة الغرور والتقصير ـ وهي التكذيب ـ بيوم الحساب ـ ويقرر حقيقة الحساب، واختلاف الجزاء، في توكيد وتشديد:

{
كلا! بل تكذبون بالدين. وإن عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون. إن الأبرار لفي نعيم. وإن الفجار لفي جحيم، يصلونها يوم الدين، وما هم عنها بغائبين}..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire