vendredi 22 février 2019

ناص عزيز - في ظلال قوله تعالى "ونيسرك لليسرى"



والبشرى
الثانية الشاملة
:

ونيسرك لليسرى
بشرى لشخص
الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبشرى لأمته من ورائه. وتقرير لطبيعة هذا الدين،
وحقيقة هذه الدعوة، ودورها في حياة البشر، وإن هاتين الكلمتين: {ونيسرك لليسرى}،
لتشتملان على حقيقة من أضخم حقائق هذه العقيدة، وحقائق هذا الوجود أيضاً. إنه
اليسروليست الشدة
كما بشره ربه ووفقه في حياته وفي
دعوته وفي أموره جميعاً
..

رسالة تقوم على اليسر  

وفي صفة محمد صلى الله عليه وسلم،
وصفة وظيفته التي جاء ليؤديها ورد في القرآن الكريم
: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في
التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم
عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم
فقد جاء ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحمة للبشرية. جاء ميسراً يضع عن
كواهل الناس الأثقال والأغلال التي كتبت عليهم، حينما شددوا فشدد عليهم
.
البشرية في ذلك الزمان ومازالت تؤدي
طقوسا فيها شدة وعذاب تقربا زيفا للآلهة فمنهم من يذبح أبناءه ومنهم من تدفن زوجته
حية معه بعد وفاته ومنهم من يعبد النار ومنهم من يعبد البقر ومنهم من حرم على نفسه
أكل اللحم ومنهم من حرم على نفسه الزواج ومنهم من جعل من نفسه إلاها وقتل شعبه
ومزقه حفاظا على كرسيه ومصالحه




وفي صفة الرسالة التي حملها ورد: {ولقد يسرنا
القرآن للذكر فهل من مدكر
} {وما جعل عليكم في الدين من حرج} {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركمفقد جاءت هذه
الرسالة ميسرة في حدود الطاقة لا تكلف الناس حرجاً ولا مشقة. وسرى هذا اليسر في
روحها كما سرى في تكاليفها 
{فطرة الله التي فطر الناس عليها}



وحيثما سار الإنسان مع هذه العقيدة
وجد اليسر ومراعاة الطاقة البشرية، والحالات المختلفة للإنسان، والظروف التي
يصادفها في جميع البيئات والأحوال.. العقيدة ذاتها سهلة التصور. إله واحد ليس
كمثله شيء. أبدع كل شيء، وهداه إلى غاية وجوده. وأرسل رسلاً تذكر الناس بغاية
وجودهم، وتردهم إلى الله الذي خلقهم. والتكاليف بعد ذلك كلها تنبثق من هذه
العقيدة. وعلى الناس أن يأتوا منها بما في طوقهم بلا حرج ولا مشقة
:  " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" .. والمنهي عنه لا
حرج فيه في حالة الضرورة
: {إلا ما اضطررتم إليهوبين هذه الحدود الواسعة تنحصر جميع التكاليف... وكذلك كانت الأمة
التي جاءها الرسول الميسر بالرسالة الميسرة. فهي الأمة الوسط، وهي الأمة المرحومة
الحاملة للرحمة. الميسرة الحاملة لليسر..
..
..إن الذي ييسره الله لليسرى ليمضي في
حياته كلها ميسراً. اليسر في يده. واليسر في لسانه. واليسر في خطوه. واليسر في
عمله واليسر في تصوره. واليسر في تفكيره. واليسر في أخذه للأمور. واليسر في علاجه
للأمور. اليسر مع نفسه واليسر مع غيره
.



وهكذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ في كل أمره.. ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما كما روت عنه عائشة ـ رضي
الله عنها ـ وكما قالت عنه
:  " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، بساماً
ضحاكاً


وفي هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في
اللباس والطعام والفراش وغيرها ما يعبر عن اختيار اليسر وقلة التكليف ألبتة
.



جاء في زاد المعاد لشمس الدين أبي عبد
الله محمد بن قيم الجوزية، عن هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في "ملابسه":
"والصواب أن أفضل الطرق طريق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي سنها
وأمر بها ورغب فيها وداوم عليها. وهي أن هديه في اللباس أن يلبس ما تيسر من
اللباس. من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة، ولبس البرود اليمانية والبرد
الأخضر. ولبس الجبة والقباء والقميص والسراويل والإزار والرداء والخف والنعل،
وأرخى الذؤابة من خلفه تارة وتركها تارة.. الخ
"..



وقال في هديه في الطعام: "وكذلك
كان هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته في الطعام، لا يرد موجوداً ولا يتكلف
مفقوداً. فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله ـ إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير
تحريم ـ وما عاب طعاماً قط. إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، وأكل الحلوى والعسل ـ وكان
يحبهما ـ وأكل الرطب والتمر، وشرب اللبن خالصاً ومشوباً والسويق والعسل بالماء،
وشرب نقيع التمر، وأكل الخزبرة ـ وهي حساء يتخذ من اللبن والدقيق ـ وأكل التمر بالخبز،
وأكل الخبز بالخل، وأكل القديد، - - وأكل المسلوقة، وأكل الثريد بالسمن، وأكل
الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب. وأكل التمر بالزبد ـ وكان يحبه ـ
ولم يكن يرد طيباً ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه صبر.. الخ
".

وقال عن هديه في نومه وانتباهه:
"كان ينام على فراشه تارة وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير
تارة بين رماله، وتارة على كساء أسود
"..

وأحاديثه التي تحض على اليسر والسماحة
والرفق في تناول الأمور ـ وفي أولها أمر العقيدة وتكاليفها ـ كثيرة جداً يصعب
تقصيها. من هذا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
:  " إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"(أخرجه البخاري)..  " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد
عليهم
.."(أخرجه أبو داود)..  " إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى" (أخرجه البخاري)..  " يسروا ولا تعسروا"(أخرجه الشيخان).

وفي التعامل:  " رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" (أخرجه البخاري)  " المؤمن هين لين"(أخرجه البيهقي)  " المؤمن يألف ويؤلف" (أخرجه الدارقطني).  " إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم"(أخرجه الشيخان).



ومن اللمحات العميقة الدلالة كراهيته
ـ صلى الله عليه وسلم ـ للعسر والصعوبة حتى في الأسماء وسمات الوجوه، مما يوحي
بحقيقة فطرته وصنع ربه بها وتيسيره لليسرى انطباعاً وتكويناً.. عن سعيد ابن المسيب
عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ أنه جاء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ما اسمك؟
قال: حَزْن (أي صعب وعر) قال: بل أنت سهل. قال: لا أغير اسماً سمانيه أبي! قال ابن
المسيب رحمه الله: "فما زالت فينا حزونة بعد"! (أخرجه البخاري)..
"وعن ابن عمر رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غير اسم
عاصية وسماها جميلة" (أخرجه مسلم). ومن قوله
:  " إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق" (أخرجه الترمذي)..

الخطبة 2
... في العبادات عن أنس بن مالك -
رضي الله عنه –
أنه قال: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن
عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها [أي: عدُّوها
قليلة]، فقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا [أي: دائما دون
انقطاع]، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر [أي: أواصل الصيام يومًا بعد يوم]،
وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا
.

فجاء رسول الله -
صلى الله عليه وسلم – فقال
: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني
لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن
سنتي فليس مني
".
وهذا مثل من علاجه للنفوس، يكشف عن
طريقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطبيعته
:

جاءه أعرابي يوماً يطلب منه شيئاً
فأعطاه. قال له
:  " أحسنت إليك؟قال الأعرابي: لا. ولا أجملت! فغضب المسلمون، وقاموا إليه؛ فأشار
إليهم أن كفوا. ثم دخل منزله، وأرسل إلى الأعرابي، وزاده شيئاً. ثم قال
:  " أحسنت إليك؟قال: نعم. فجزاك الله من أهل ومن عشيرة خيراً. فقال له النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ
:  " إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإذا أحببت فقل بين أيديهم
ما قلت بين يدي، حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك
" .
قال: نعم. فلما كان الغداة جاء، فقال
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
:  " إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه، فزعم أنه رضي. أكذلك؟فقال الأعرابي:
نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ 
 " إن مثلي ومثل
هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه، فتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا
نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها وأعلم. فتوجه
لها صاحب الناقة بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فردها هوناً هوناً، حتى جاءت
واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها. وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال
فقتلتموه دخل النار
 " · 

فهكذا كان أخذه ـ صلى الله عليه وسلم
ـ للنفوس الشاردة. بهذه البساطة، وبهذا اليسر، وبهذا الرفق وبهذا التوفيق..
والنماذج شتى في سيرته كلها. وهي من التيسير لليسرى

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire