samedi 18 août 2018

ناصر عزيز- الحج


أيها الحاج قل لي ماذا غير فيك الحج؟
الحمد لله الذي فرض الحج على عباده مرة في العمر والحمد لله الذي جعله أحد أركان الإسلام والحمد لله الذي جعله مغفرة من الذّنوب والآثام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من لبّى وحجّ إلى البيت الحرام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً فاتّقوا الله عباد الله واعلموا أنّكم إليه ترجعون وعلى أعمالكم تحاسبون
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ].
فإن لهذه العبادة منافع و ثمرات مرجوة.فماهي هذه المنافع والثمرات التي ستنعكس سلوكا في حياتك أخي الحاج بعد عودتك من البقاع المقدسة؟
 إن من أبرز وأهم دلالات قبول العبادة ظهور أثرها في سلوكك على أرض الواقع , فهي في الحقيقة المقياس الذي من خلاله يمكن إدراك مدى أثر العبادة فيك , والمؤشر الذي يمكن به معرفة قبول الطاعة والعبادة من عدمه .
إن الحقيقة أن فترة ما بعد أداء فريضة الحج هي الأهم بالنسبة للحاج :
في الحج قمت بمناسك ولكل منسك هدف يجب أن  يغير سلوكك بعد الحج
1)لباسك ملابس الاحرام ووقوفك بعرفة مع بقية الحجيج يذكرك بيوم القيامة يوما يتفاضل الناس فيه بالعمل الصالح فينزع عنك إن كنت من أصحاب الأموال أو القرار سلوك التكبر والرفعة ويغرس فيك روح التواضع ويصبح مقياسك للبشر "إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فيجب أن يلاحظ فيك أهلك وأصدقاؤك   روح التواضع والكرم ومد يد المساعدة         فتقلع عن الأخطاء التعاملية مع الناس التي كنت تقع فيها قبل الحج , من عدم أداء الحقوق المادية للآخرين على الوجه الذي ينبغي , ومن المماطلة في أداء المستحقات والديون , ومن سوء معاملة الأجير والعامل ....وأكل حقوقهم.
·      
وفي مستوى العائلة تتدارك ما كنت عليه من سوء تعامل مع الزوجة والأولاد في البيت , ومن قطع للرحم أو عدم وصلها على الشكل المطلوب الذي أمر الله به , ومن تقصير في أداء الصلوات الخمس في المسجد جماعة , أو تقصير في حق الله في ماله من زكاة أوصدقة أو إحسان ....
  

2)طوافك حول البيت مع بقية الحجاج من مختلف بقاع الأرض يغرس فيك الشعور بالانتماء إلى أمة عظيمة قبلتها واحدة وتلبيتها واحدة : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك "هذا الشعور يدعوك بعد عودتك إلى بلادك إلى ترسيخ هذا المفهوم فتسعى إن كنت من رجال الأعمال أن تربط علاقات اقتصادية مع رجال أعمال من هذه البلدان الإسلامية فتجلب رؤساء الأموال إلى بلادك وتبحث عن سوق فيها لترويج انتاجك ولم لا إن كنت من رجال السياسة والقرار أن تسعى لإقامة سوق اقتصادية تشمل جميع البلدان الإسلامية ؟فلا مكان في العالم اليوم لدولة معزولة والعالم يشهد تكتلات اقتصادية وسياسية
3)سعيك بين الصفا والمروى تخليد لذكرى سيدة سعت سبعة أشواط ذهابا وإيابا بحثا عن الماء والماء رمز للحياة ولم تيأس ثقة في وعد الله أنه لن يضيعها وابنها الصغير هذا السعي الذي قمت به أنت يجب بعد عودتك إلى بلادك أن ينزع عنك روح اليأس والتواكل  والكسل والثقة في الله والأخذ بالأسباب فتبادر وتسعى لتحسين حالك والرفعة بالعمل والكد وبذل الجهد نصرة لدينك وخدمة لمجتمعك
4) رميك للجمرات صراع مع الشيطان فهناك يقف في كل اتجاه وينازل الحاج في كل مشعروينتظر عودتك لبلادك فعليك أن تستعد لمقاومته  بعزيمة الطاعة وقوة العبادة وصدق اللجوء إلى الله فتترك  اللعين طريداً راغماً حقيراً (ما رؤى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة).
5)وأخيرا هديك وأضحيتك التي قدمتها هي رمزللطاعة المطلقة لله وتخليد لذكرى عزيزة وابتلاء عظيم لرسول كريم سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقد استجاب لأمر خالقه حين أمره بذبح فلذة كبده ووحيده وصبر هذا الابن الصغير البار وطاعته المحضة لله ثم لأبيه [فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ].
فعليك الالتزام أمام الله وأنت في بلدك بالطاعة المطلقة لله دون نقاش واضطراب انظر إلى إبراهيم واسناعيل والسيدة هاجر يذبح ابنهما أمامها بيد أبيه والأب تدمع عينه والأم يهتز قلبها رأفة بابنها والابن يشجع أباها على تنفيذ حكم الله "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" فإن كان لك زكاة مال فاخرجه ولا تحاول الفتوى وإن كان لك نصيب معين من الميراث قدره الله فخذه ولا تحاول التحايل عليه بشتى الوسائل لتأخذ أكثر أو لتحرم من جعل الله له نصيبا أيضا .

أخي الحاج هذه بعض  ثمار الحج المرجوة , إن لم تحققها سلوكا تلاحظه أنت ويلاحظه الناس وعدت إلى سيرتك السابقة وكأنك لم تقف بعرفة ولم تطف بالبيت فاعلم أنك تعاملت  مع الفريضة الخامسة بسطحية وسذاجة , و لم تدرك مقاصدها العظيمة , وآثارها الكثيرة المرجوة على الفرد والمجتمع .
نعم نريد  أن نرى  من الحاج بعد عودته من الديار المقدسة الصدق في التعامل , والأمانة في التجارة والبيع والشراء , والبعد عن المماطلة أو التسويف في أداء الحقوق , و الإحسان إن حدث اختلاف بين أهل السوق أو نزغ الشيطان بينهم .
كما ترجو الزوجة والأولاد أن لا يكون أداء رب البيت للحج مجرد عادة سنوية , بل يطمحون أن يلمسوا اختلافا جذريا في تعامله معهم بعد أدائه لشعائر الحج ومناسكه , فيجدوا اللطف في المعاملة بعد قسوة , والإحسان في المعاشرة .
إن ملايين المسلمين يؤدون هذه الشعيرة العظيمة كل عام , ولكن الذين يجنون ثمارها ويدركون أسرارها قلة قليلة , وما لم يكن الاهتمام من ضيوف الرحمن بفترة ما بعد الحج من خلال التركيز على ثمرات الحج المتمثل بالسلوك والتعامل والأخلاق , فإن آثار الحج ونتائجه الإيجابية على الفرد والمجتمع ستبقى بعيدة المنال .
لقد كان تقييد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ثواب الحج "الجنة" دون سواها بقيد "المبرور" خير إشارة إلى وجوب ظهور ثمرات الحج على سلوك الحاج بعد أداء المناسك , حيث قال : ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) (1) .
فليست الجنة جزاء لأي حج , بل هو الحج المبرور حصرا , والذي فسره ابن رجب رحمه الله بقوله :  "وإذا قرن البرُّ بالتَّقوى ، كما في قوله - عز وجل - : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } المائدة/2 ، فقد يكون المرادُ بالبرِّ معاملةَ الخلق بالإحسّان " (2) , وهو ما يشير إلى أن الحج المبرور هو الحج الذي تظهر آثاره الأخلاقية على سلوك الحاج بعد أدائه للفريضة .

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] صدق الله العليّ العظيم والحمد لله ربّ العالمين حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه حمدا عدد خلقه ورضا نفسه وزينة عرشه ومداد كلماته وأصلّي وأسلّم على المبعوث رحمة للعالمين اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه كما تحبّ وترضى صلاة دائمة طيّبة مباركة
اللّهمّ يا من لا يضيع لديه أجر المحسنين ويا من هو منتهى خوف العابدين ويا من هو غاية خشية المتّقين نحن عبيدك بين يديك كبّلتنا الذّنوب وأثقلتنا المعاصي وليس لنا رجاء إلاّ فيك جئناك ونحن نرجو رحمتك ونخشى عذابك ونطلب مغفرتك فلا تردّنا يا ربّنا ويا مولانا و ياخالقنا خائبين اللهمّ كما أقررنا بقدرتك فامنحنا مغفرتك  وارفعنا عن الذّنوب وكما سلّمنا أنفسنا بين يديك فاكنفنا برعايتك وسترك في الدّنيا والآخرة اللّهمّ وثبّت في طاعتك نيّتنا وأحكم في عبادتك بصيرتنا ووفّقنا إلى صالح الأقوال والأعمال وجنّبنا دنس الخطايا اللّهمّ إنّا نتوب إليك ونحن في مقامنا هذا ونحن نعلم أنّك تحبّ التوّابين ونستغفرك ونحن نعلم أنّك تحبّ المستغفرين اللّهمّ فامح عنّا السيّئات كبيرها وصغيرها ظاهرها وباطنها ما علمنا منها وما لم نعلم
اللّهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلاّ غفرته ولا همّا إلاّ فرّجته ولا دينا إلاّ قضيته ولا مريضا إلاّ شفيته ولا مظلوما إلاّ أنصفته ولا ضالاّ إلاّ هديته ولا فقيرا إلاّ أغنيته اللهمّ أقبل حجّ الحاجّين وعمرة المعتمرين وصدقة المتصدّقين ، اللهمّ لك الحمد أن أنعمت علينا بالغيث النّافع فزدنا ولا تنقصنا وأغثنا ولا تجعلنا من عبادك القانطين إنّك رؤوف رحيم
اللّهم ألّف بين قلوبنا واحفظنا بما تحفظ به عبادك الصّالحين يا قويّ يا متين اللهم انصر من نصر الدّين واخذل أعداء الدّين واجعل كيدهم في نحرهم وانشر السلم والأمن في بلادنا وفي جميع بلاد المسلمين واجعلنا إخوة متحابين متراحمين   يا قويّ يا متين
اللهم لا تترك لنا مرسضا إلا شفيته ولا ضالا إلا أهديته
وارحم والدينا ومن علّمنا وعلّمناه واجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه اللهمّ فكما أمرت بالتّوبة وضمنت بالقبول وحثثت على الدّعاء ووعدت بالإجابة فصلّ على سيّدنا محمّد وآله واقبل توبتنا إنّك أنت التّواب الرّحيم








Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire