لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرّك به لسانه، يريد أن
يحفظه، فأنزل الله تبارك وتعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
} قال: فكان يحرّك به شفتيه " { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } قال فاستمع له وأنصت. ثم إن علينا أن نقرأه؛ قال: فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام ٱستمع، وإذا
ٱنطلق جبريل عليه السلام قرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم كما أقرأه؛ خرّجه البخاري
أيضاً. ونظير هذه الآية قوله تعالى:{ وَلاَ تَعْجَلْ
بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ }[طه: 114] وقال عامر الشَّعْبي: إنما كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من
حُبّه له، وحلاوته في لسانه، فنُهي عن ذلك حتى يجتمع؛ لأن بعضه مرتبط ببعض. وقيل: "
كان عليه السلام إذا نزل عليه الوحي حرّك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه، فنزلت {
وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه:
114] ونزل: { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6] ونزل: { لاَ تُحَرِّكْ
بِهِ لِسَانَكَ } "
ابن
عاشور : ومعنى الجملتين: أن علينا جمع الوحي وأن تقرأه وفوق ذلك أن تبينه للناس
بلسانك، أي نتكفل لك بأن يكون جمعه وقرآنه بلسانك، أي عن ظهر قلبك لا بكتابة
تقرأها بل أن يكون محفوظاً في الصدور بيّناً لكل سامع لا يتوقف على مراجعة ولا على
إحضار مصحف من قُرب أو بُعد.
{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } الشنقيطي : فيه إشارة إلى أنه نزل
مفرقاً، وإشارة إلى أن جمعه على هذا النحو الموجود برعاية وعناية من الله تعالى
وتحقيقاً لقوله تعالى { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } ويشهد لذلك أن هذا
الجمع الموجود من وسائل حفظه، كما تعهد تعالى بذلك: والله تعالى أعلم.(تشجيع
الأبناء على حفظه في صدورهم وترتيله في منازلهم وحبه وتقديسه والاقبال على
الكتاتيب ودور القرآن)
القرآن نزل مُنَجَّماً وفق الحوادث، وهناك حكمة بالغة أن ينزل منجماً وفق الحوادث.
¨فأمّا ما جاء في القرآن :
¨- 1 - من ذلك قول الله جلّت حكمته : " وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن
جملة واحدة كذلك لنثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا " فالله تعالى أجابهم ببيان الحكمة في نزوله على
هذه الكيفيّة ، وهي تثبيت فؤاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الحقّ
وتقوية قلبه وشحذ عزيمته ، ذلك أنّ في تجدّد نزول الوحي على الرسول وتكرار تنزّله
عليه تسلية لقلبه وتأييدا له للمضيّ قدما ، واستشعارا للعناية الإلهيّة المتواصلة
¨- 2 – ومن ذلك قوله تعالى
مخاطبا رسوله الكريم" لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " وفي ذلك من التيسير على المسلمين في حفظه
وتدبّر معانيه والنظر في أحكامه وحِكمه ممّا لا يخفى عن كلّ ذي عقل
¨وأمّا ما أشار إليه العلماء ، فمن ذلك : 3 – كما أنّ في نزول القرآن مفرّقا من التدرّج
بالتشريع ما يدعو إلى تجنّب المفاجآت الداعية إلى الإعراض ، فلا تشقّ على الأنفس
التكاليف ولا تنفر القلوب عن قبول الأحكام المنزّلة وما فيها من أوامر ونواه ملزمة
¨(السيدة
عائشة قالت: لو نزل تحريم الخمر دفعة واحدة لقال العرب والله ما نتركه أبدا)
﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ: فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18)أي إن مهمتك أن تُطَبِّقه:العلوية للقرآن
وليس للقوانين لوضعية أو لاتفاقيات الأمم المتحدة التي تفرض على الأمم جميعا أن
تكون لها العلوية على قوانين الدول
ومهمتنا أن نسعى جاهدين لنطبيق ما ورد فيه في حياتنا وقوانينا حتى نلقى ربنا
سالمين وعلى الأغنياء اليوم اخراج زكاة أموالهم وتقديمها للفقراء فنحن في سنوات
عجاف وكثير من العمال في النزل وتوابعه في بطالة منهم أقارب لكم فلا تنسواحقهم
وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ
أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ
إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ
إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا
ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ
وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ
شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي
ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ
ٱلْكَافِرُونَ
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ
بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ
وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ
أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم
فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم
بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ثُمَّ
إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ قد نبه تعالى أنه ما من مجمل إلا وجاء
تفصيله في مكان آخر، وقد نص تعالى على هذا في كثير من الآيات، كما في قوله
{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ }ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة.
القرطبي:عن ابن عباس { ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ } يقول: حلاله وحرامه، فذلك بيانه.
عن قتادة { ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ } بيان حلاله، واجتناب حرامه، ومعصيته وطاعته.
{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ }ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة.
القرطبي:عن ابن عباس { ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ } يقول: حلاله وحرامه، فذلك بيانه.
عن قتادة { ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ } بيان حلاله، واجتناب حرامه، ومعصيته وطاعته.
النابلسي السنة الشريفة هي شرح للقرآن الكريم: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19)﴾
علينا بيان هذا القرآن أي أن الله عزّ وجل كما أوحى إليه هذا النص المتلو أوحى
إليه شرحَه غير المتلو، لذلك السُنَّة هي شرحٌ للقرآن والنبي عليه الصلاة والسلام
لا ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
الذي ذكره من أحاديث شريفة شرحاً للقرآن من وحي الله عزّ وجل، لكن القرآن
وحيٌّ متلو والسُنَّةُ وحيٌ غير متلو، إذاً تبين أنت يا محمد بوحيٍ منا غير متلو ما
نُزِّل عليك، لذلك السُنة مبينة،
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ وكما أن الله حفظ كلامه، حفظ سُنَّة نبيه
لأنه من لوازم حفظ الأصل حفظ الشرح. تعهد الله تعالى بحفظ
كلامه ومن لوازم هذا التعهد حفظ سنة نبيه:
وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ
لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ
الآن لو أنه صدر قانون ثم صدر مرسوم تفسيري لهذا القانون لا قيمة لحفظ القانون
من دون حفظ تفسيره، فحفظ التفسير جزءٌ من حفظ القانون، وكذلك لما تعهَّد الله عزّ
وجل بحفظ كلامه فمن لوازم هذا التعهُّد أن يحفظ سُنَّة نبيه، لذلك هيَّأ علماء لهم
همةٌ عاليةٌ جداً مَحَّصوا السنة وفرزوها،
وعرفوا صحيحها، وعرفوا ضعيفها وموضوعها، وصنَّفوا الكتب فالسُنَّة الآن محفوظة،
وكل شيء ميَسَّر، يوجد عندنا كتب صحيحة، القضية انتهت، ما من علمٍ عند الأمم كعلم
الحديث عندنا، إنه علم دقيق جداً،
والسنة أقسام :
السنة القولية : مثالها قول النبي صلى الله عليه وسلم
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا
يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
.
ومثالها أيضا ، قوله عليه السلام :
رواه البخاري في كتاب الإيمان ، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده
وولده والناس أجمعين
.
، وأما السنة الفعلية فهي ما صدر عنه صلى الله
عليه وسلم من أفعال ، مثال ذلك صلاته وحجه المبينة لمجمل القرآن ، ومثاله قضاؤه
صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين في الأموال .
3 - وأما السنة
التقريرية فهي : ما صدر عن صحابي أو أكثر من أقوال أو أفعال علم بها عليه السلام فسكت
عنها ولم ينكرها ، أو وافقها وأظهر استحسانه لها .
وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك :
1 - أكل الصحابة الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم ذلك
.
2 - إقراره صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص الذي صلى بالقوم في غزوة ذات السلاسل جنبا بعد أن تيمم من شدة البرد .
فعن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ، ثم صليت بأصحابي الصبح . فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ ، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول :
وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
يقل شيئا
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire