لم تنجح الهجرة بخرافة العنكبوت
والحمامة بل بالأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم التوكل على الله وكأنها لا شيء
الحمد لله ربّ العالمين ، نحمده تعالى ونستغفره ونتوب إليه
ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن
يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا وأشهد ألاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له
الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير وأشهد أنّ
سيّدنا محمّدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على
الدّين كلّه ولو كره المشركون وأصلّي وأسلّم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله
وصحبه أجمعين . فصلّواعليه وسلّموا تسليما واتّقوا الله حقّ تقاته ولا
تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمين .......
أمّا بعد إخوة
الإيمان ها أنّنا على أعتاب سنة هجريّة جديدة أرادت العناية الإلهيّة أن تكون تأريخا لأمّة
الإسلام نسأل الله تعالى أن يجعلها سنة مباركة علينا جميعا وعلى بلادنا وعلى المسلمين
سنة خيروأمن لبلادنا وسنة نصر وعزة لاخواننا
في فلسطين وبورما وسوريا وفي كل مكان
فَٱسْتَجَابَ
لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن
دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ آل
عمران
ٱلَّذِينَ
آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ
ٱلْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ
وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ التوبة
الجو السائد في أحداث الهجرة، هو جو "الحذر والأخذ
بالأسباب" بصورة تثير التعجب والإعجاب. هذا النبي الكريم الذي قبل سنوات
قليلة أسرى الله به من مكة إلى الشام في لمح البصر؛ الآن فرض عليه الهجرة من مكة
إلى المدينة؛ وأن يكابد فيها المطاردة والصحراء والجوع والعطش والحر والغربة،
يكابد كل ذلك على قدميه لا على براق يطير به في ليلة قمراء، لقد أراد الله ـ تعالى
ـ أن تكون أحداث الهجرة تشريعًا إلى قيام الساعة، لذا كانت إنسانية بشرية، أخذ
فيها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما استطاع من أسباب الدنيا؛ اختار الصاحب
وجهز الراحلة وأنفق المال واستعان براعٍ وجاسوس، وتخفى بغار موحش مُظلم، وأكل
القليل من الطعام ما يكاد يسد رمقه؛ كل هذا لتعلم أن دعوة الإسلام دعوة واقعية،
وأن الإسلام لا ينتصر إلا إذا أخذنا له بأسباب الدنيا مع التوكل على الله، وأن
المسلم في حياته اليومية مهما بلغ في التعبد والتحنث فإن ذلك لن يدفع عنه مذلة
الفقر أو مهلكة الجهل، أومعثرة المرض ـ إلا إذا أخذ بالأسباب الدنيوية، والعوامل
الحياتية، والوسائل المباحة المختلفة التي تعينه على معاشه، فما بالك إذن إن أردنا
أن نجعل من الدعوة الإسلامية رائدة الدعوات، ومن الحضارة الإسلامية سيدة الحضارات؟
علم الله أنه إذا قال في شأن
الهجرة النبوية: كوني لكانت؛ ولَنَقَلَ النبيَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بساط
إلهي من بيته في مكة ـ حيث يترصده المشركون ـ إلى بيت أبي أيوب الأنصاري في
المدينة، في أقل من طرفة عين، وما ذلك على الله بعزبز، وقد رأيتَ كيف أسرى بعبده
ليلاً من مكة إلى ما أبعد من المدينة.
لكن الذين اتقوا ربهم، يعرفون أن
دعوة الله لا بد أن نأخذ لها بقوة، وأن نمهد لها طريقها بسبب، وأن نيسر لها
وسائلها بحكمة، وأن نُصرفَ لها الأفكار التي تخدمها من هنا وهنا.
هذه حقيقة يحتاجها المسلمون أيما حاجة، يجب أن نأخذ بالأسباب
وكأنها كل شيء وينبغي أن نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء،
الصاحب:كان، كلما عزم أبو بكر ـ رضي الله
عنه ـ على الهجرة؛ أثناه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك وقال له:
"عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي"
الراحلة:حَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَصْحَبَهُ، وأعد ناقتين، وظل يعلفهما أربعة أشهر.
التخفي :قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا
نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ
قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا! فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي !وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ
السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ!
قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ-
وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ
عِنْدَكَ".فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ !قَالَ:" فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ".فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: فَالصُّحْبَةُ ـ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ ؟ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" نَعَمْ " قَالَ
أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ ـ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ
هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –:
"بِالثَّمَنِ"[البخاري: 3616، عن عائشة]..
الزاد:قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ
فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ
بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.
الاستخبارات :قَالَتْ عائشة: ثُمَّ لَحِقَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي
جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ- وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ - فَيُدْلِجُ مِنْ
عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلا
يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ[1] إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ
ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ [البخاري: 3616، عن عائشة
المال : كل مال أبي بكر
الفدائي: علي بن أبي طالب ينام في فراشه لما علم أن قريش أجمعت على قتل
رسول الله
التمويه: وكانت مهمة عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ- مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ-، أن يأتي بالأغنام لمحو آثار خطوات النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ وأبي بكر، قالت: "يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ
تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ".
خط سير الرحلة أولا إلى الجنوب عوض الشمال ثم الاختفاء بغار ثور ثم سلوك طريق
ساحلي وعرمع تحديد موعد الانطلاق بعد3أيام
الدليل: وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً، هَادِيَا خِرِّيتًا، ماهرًا بالطريق، وكان من
بني الديل، مشركًا، لهم حلف مع آل العاص بن وائل، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ،
أي القريب من البحر الأحمر.
التوكل والعمل صنوان لأصل واحد، فاعلم أنه لا يُقبل التوكل إلا بحسن العمل، كما
أن الأخذ بالأسباب لا يقل وجوبًا عن التوكل على الله.
توصية عملية:
وسائل اتخاذ الأسباب كل واحدة درسٌ
للمسلمِ أن يتخذَ الأسبابَ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ثم يتوكل بعد ذلك على الله،
بعد أن اتخذ المصطفى- صلى الله عليه وسلم- هذه الأسباب وخاف أبو بكر قال له:
"لا تحزن إن الله معنا"، ومَن كان الله معه لا يحزن إنما يفرح إنما يُسر
بمعية المولى تبارك وتعالى؛ لأن الله يحفظه ولأن الله يرعاه ولأن الله ينصره.
بل إنّ أعداء الإسلام تعدّدوا وتنوّعوا بعد الهجرة أكثر ممّا
كانوا عليه قبلها ، فيا من شددت الرحال مهاجرا إلى الله، ويا من ولّيت وجهك شطر
رسول الله، اعلم علم اليقين أنك تحتاج في سيرك إلى جهد ،وبذل، وتضحية، وذاك يقابله
ابتلاء من الله، فأعدَّ نفسك واصبرها على الحق ومع الصابرين، ولا تظنن أن الطريق
سُهول وورود، فأنت طالب المعالي، وكي يزف لك النصر والتأييد والمهر غال وشاق في
ذوق أبناء الدنيا، نعيم عند من جعل هجرته إلى الله ورسوله، لا يبتغي منها دولة
يصيبها أو منصبا يشغله "دنيا"، ولا يريد مكانة اجتماعية أو أموالا وترفا
في المأكل والمشرب والمسكن "امرأة ينكحها". وصدق
تعالى وهو أصدق القائلين :" إنّ الله اشترى من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة" ولن
يتحققّ النّصر إلاّ بشرطين أساسييّن جهاد ونية
شعاران رفعهما في المدينة :
قال صلى الله عليه وسلم "أيها
الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وألينوا الكلام، تدخلوا
الجنة بسلام" لم يعلن حربًا على مكةَ، إنما بدأ يُذكِّر الناس ويدعوهم إلى
هذا الحقِّ،
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إِنَّ
الْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"
|
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire