هذه الرسالة رد على صحفي في اذاعة المنستير يتهكم على
بيع كتب عذاب القبر في معرض تونس الدولي للكتاب
} وعنْ سعدِ بن أبي وقاص رضي
عنْهُ أنَّ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ يَتَعوَّذُ دُبُر
الصَّلَواتِ بِهؤلاءِ الكلِمات : « اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ
والْبُخلِ وَأَعوذُ بِكَ مِنْ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَل العُمُرِ وَأعُوذُ بِكَ مِنْ
فِتْنَةِ الدُّنْيا ، وأَعوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبر » رواه البخاري. عنْ أبي
هُريْرة رضي اللَّه عَنْهُ أنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
قَالَ : « إذا تَشَهَّد أَحدُكُمْ فَليسْتَعِذ بِاللَّه مِنْ أرْبَع ، يقولُ :
اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عذَابِ جهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ القَبرِ،
وَمِنْ فِتْنةِ المحْيَا والمَماتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيح الدَّجَّالِ
» . رواه مسلم .
كذلك أيضا الانتقال
من الدنيا للأخره فيه رهبة وفيه هيبة لذلك السيدة عائشة تقول أن النبى (صلى الله
عليه و سلم) قال: "من أحب لقاء الله أحب الله
لقاءه و من كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت يا رسول الله كلنا نكره الموت فقال: "يا عائشة ليس الامر كذلك" – أى ليس المقصود بحب لقاء الله حب الموت - ولكن يا عائشة إن العبد المؤمن
إذا جاءته لحظة الموت يرى مقعده من الجنة – و يبشر بمغفرة من الله ورضوان – فيحب
لقاء الله فيحب الله لقاءه و "الفاجر أو الكافر إذا خرجت روحه رأى مقعده من
النار فكره لقاء الله فكره الله لقاءه لذلك ليس المقصود حب الموت أو كراهية الموت .
لذا قال رب العالمين
يصف حال شىء لانراه ولا نشاهده {فَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ
ٱلۡحُلۡقُومَ (٨٣) وَأَنتُمۡ حِينَٮِٕذٍ۬
تَنظُرُونَ (٨٤) وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ
مِنكُمۡ وَلَـٰكِن لَّا تُبۡصِرُونَ (٨٥) فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ
مَدِينِينَ (٨٦)}الواقعه. أى أنكم جميعاً سيحدث لكم هذا الأمر:{ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِين}الواقعهَ (87).
أى إن كنتم قادرين
على أن ترجعون هذه الروح فأفعلوا, ثم بدأ فى تقسيم الناس إلى مراتب{فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوۡحٌ۬ وَرَيۡحَانٌ۬
وَجَنَّتُ نَعِيمٍ۬
فأما إن كان من
المقربين فروح وروح يعنى رحمة أو راحة ومستراح وكلمة ((ريحان )) بها معنى الرائحة الطيبة
((وجنة نعيم )) جنة الخلد :{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ
أَصۡحَـٰبِ ٱلۡيَمِينِ }الواقعه
(٩٠), أى أنه كان عايش فى الدنيا من أهل اليمين مع
الصالحين :{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ
الْيَمِينِ}الواقعه (91).أى أن الله سيرسل لك السلام مع
الملائكة وعندما تنزل قبرك سيسلم عليك ناكر ونكير وعندما تخرج من قبرك ستقابلك
الملائكة تسلم عليك وأنت داخل قبرك ستجد عمل صالح يقول السلام عليك .
قال (صلى الله عليه
و سلم) فى حديثه الشريف "إن العبد المؤمن إذا كان فى
إنقطاع من الدنيا وإقبال على الأخره نزلت عليه ملائكة بيض الوجوه فيجلسون مد البصر
ومعهم كفن من أكفان الجنة ومعهم حنوط والحنوط هو العطر ثم يأتى ملك الموت فى أبهى
صورة خلق عليها , ويدخل عليك وهو يبتسم وأول ما يدخل عليك يقول السلام عليكم". قال تعالى:{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }[النحل 32] . وطيب أى قليل الذنوب كثير التوبة وأول ما يدخل ملك الموت يأتى
عند رأسى ويقول: يا أيتها النفس الطيبة أخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان ورب راض
غير غضبان . قال فتخرج الروح من الجسد تسيل كما تسيل القطرة من فى السقاء . أى كما
تنزل قطرة الماء من الإناء وتأتى ملائكة الرحمة فلا تدع الروح مع ملك الموت طرفة
عين فتأخذها وتكفنه بكفن الجنة فتخرج روحك كأطيب ريح . ولكن عند الموت سيرى ملائكة
أخرى وهى ملائكة اليمين وملائكة الشمال تقول له جزاك الله عنا خير فلطالما جلسنا
معك مجالس الذكر ولطالما أحضرتنا معك فى الطاعة وسنتركك الأن ونصعد بالكتب إلى
الله عز وجل وسترى هذه الكتب يوم القيامة فى الميزان .
ثم تصعد ملائكة
الرحمة بالروح كأطيب ريح إلى السماء وكلما مرت على ملائكة السماء تسأل لمن هذه الروح
الطيبة؟ فيقولون هذه روح فلان بن فلان بأطيب الأسماء التى كان يدعى بها فى الدنيا
وكلما تصعد تصلى عليها الملائكة وتقول (( اللهم أغفر لها اللهم أرحمها )) وهذا
أيضا يحدث فى الدنيا قال (صلى الله عليه و سلم) لمن يجلس فى المسجد ينتظر الصلاة
((ولا يزال فى صلاة ما انتظر صلاة ))
وكما فى الدنيا يكون أيضا فى الأخرة فالجزاء
من جنس العمل فكما كنت قريب من الله فى الدنيا أنت الأن قريب من باب الجنة
والملائكة حولك وأثناء صعود الروح مع ملائكة الرحمة تطرق ملائكة الرحمة على باب
السماء فتقول ملائكة السماء لمن هذه الروح الطيبة فتقول ملائكة الرحمة التى تحمل
الروح هذه روح فلان بن فلان بأطيب الاسماء التى كان يدعى بها فى الدنيا فتقول
ملائكة السماء صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه وتفتح أبواب السماء وتصعد إلى
السماء الأولى ثم تصعد إلى السماء الثانية وكلما مرت على ملء من الملائكة ينظم
لمرافقة هذه الروح حتى تحشر إلى الله كما قال الله تعالى (( وفدا )) اى فى موكب
عظيم .
وعندما تصل إلى الله يقول رب العالمين وهو أعلم لمن هذه الروح الطيبة ؟
تقول الملائكة أنها روح فلان بن فلان بأطيب الأسماء التى يدعى بها فى الدنيا فيقول
الله أكتبوا كتاب عبدى عندى فى عليين وما أدراك ما عليون . العليون هو الكتاب
المكتوب فيه أسماء أهل الجنة فيكتب أسمك بجانب أسماء أهل الجنة وبجانب النبى (صلى
الله عليه و سلم) والصحابة والشهداء المقربين
(حديث مرفوع) رَوَاهُ سُلَيْمَانُ
الأَعْمَشُ , عَنِ الْمِنْهَالِ
بْنِ عُمَرَ ، عَنْ زَادَانَ , عَنِ الْبَرَاءِ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ
حَدِيثٌ فِيهِ طُولٌ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ , قَالَ فِيهِ : فَيُعَادُ
رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ ، فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولانِ
لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ ، فَيَقُولانِ لَهُ : مَا
دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِي الإِسْلامُ ، فَيَقُولانِ لَهُ : مَا هَذَا
الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ،
فَيَقُولانِ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ ،
وَآَمَنْتُ بِهِ ، وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ
صَدَقَ عَبْدِي فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ،
وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ , قَالَ : فَيُأْتِيهِ مِنْ طِيبِهَا
وَرَوْحِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
إِلَى قِصَّةِ الْكَافِرِ فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ، وَمَنْ نَبِيُّكَ ،
وَمَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : لا أَدْرِي ، لا أَدْرِي ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ
السَّماءِ : افْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى
النَّارِ , قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا , قَالَ : وَيَضِيقُ
عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ .
وفي رواية أخرى
فيقال له: اجلس،
فجلس، وقد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان
فيكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك
ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تقول فيه؟ وماذا
تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمّد، أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق من عند الله،
فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تُبعث إن شاء الله، ثم يُفتح له
باب من أبواب الجنة، فيقال له: هذا مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة
وسروراً، ثم يُفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك منها، وما أعد الله
لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسروراً، ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور
له فيه، ويعاد الجسد لما بدأ منه، فتجعل نسمته في النسيم الطيب، وهي طير يعلق في
شجرة الجنة، قال: فذلك قوله تعالى: { يُثبّتُ اللهُ الذينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } إلى آخر الآية [إبراهيم: 27]، ثم ذكر تمام الحديث. »
ومما يستأنس به في
هذا الباب: ما رواه ابن حبان في صحيحه وغيره عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: « إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين
يولون عنه، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت
الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس
عند رجليه، فيؤتي من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه،
فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم
يؤتى من قبل رجليه، فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس:
ما قبلي مدخل.
وقد دل على ذلك أن
تلك الأعمال من الصلاة والزكاة والصيام وفعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف
والإحسان إلى الناس من أسباب النجاة من عذاب القبر وكربه وفتنه.
والجامع في ذلك
تحقيق التقوى لله تعالى، كما قال سبحانه: { إِنَّ الذينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمّ
اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [الأحقاف: 13].
نذكر أحاديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما ينجي من عذاب القبر:
فمن ذلك ما رواه
مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: « رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات
أجري عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان »
ومعنى الرباط:
الإقامة بالثغر مقوياً للمسلمين على الكفار ، والثغر: كل مكان يخيف أهله العدو
ويخيفهم. والرباط فضله عظيم وأجره كبير، وأفضله ما كان في أشد الثغور خوفاً.
ومما يُنجي من عذاب
القبر ما دل عليه ما رواه النسائي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن
رجلاً قال: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: « كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة »
وروى الترمذي وابن
ماجه وغيرهما بسند صحيح عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه-، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: « للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة من
دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى
حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه » ، وهذا لفظ ابن ماجه وعند
الترمذي:
« ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من
الدنيا وما فيها، ويُزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من
أقاربه » . وهذا بعض فضل الجهاد في سبيل الله والاستشهاد فيه.
ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما ثبت عند أبي
داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: « سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى غفر له » . فدلّ هذا الحديث وما جاء في معناه من الآثار على أن من حافظ على
قراءة سورة الملك وداوم على ذلك وعمل بما دلّت عليه، فإنها تنجيه من عذاب القرب. ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر: ما رواه الإمام
أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا
وقاه الله تعالى فتنة القبر» . وهذا محض فضل الله وتوفيقه لحسن الخاتمة
قال ابن القيم في كتابه الروح: حدثني محمد حدثني يحيى بن بسطام حدثنى عثمان بن سودة
الطفاوى قال وكانت أمه من العابدات وكان يقال لها راهبة قال لما احتضرت رفعت رأسها
إلى السماء فقالت يا ذخرىوذخيرتى ومن عليه اعتمادى في حياتى
وبعد موتى لا تخذلنى عند الموت ولا توحشنى في قبرى قال فماتت فكنت آتيها في كل
جمعة فأدعو لها وأستغفر لها ولأهل القبور فرأيتها ذات يوم في منامى فقلت لها يا
أمه كيف أنت قالت أى بنى ان للموت لكربة شديدة وإنى بحمد الله لفي برزخ محمود
نفترش فيه الريحان ونتوسد فيه السندس والاستبرق إلى يوم النشور فقلت لها ألك حاجة
قالت نعم قلت وما هى قالت لا تدع ما كنت تصنع من زيارتنا والدعاء لنا فإنى لأبشر
بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت من أهلك يقال لي يا راهبة هذا ابنك قد أقبل فأسر ويسر
بذلك من حولى من الأموات
اللهُمّ اجعل قبورنا
وإخواننا المسلمين رياضاً من رياض الجنة، وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، يا
كريم، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.