الحمد لله
المذكور بكل لسان المشكور على كل إحسان خلق الخلق ليعبدوه وأظهر لهم
آياته ليعرفوه ويسر لهم طرق الوصول إليه ليصلوه فهو ذو الفضل العظيم والخير
الواسع العليم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه
وسراجاً منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين … |
أما بعد : فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل ، اتقوه في السر
والعلن ، اتقوه واعبدوه ، واسجدوا له وافعلوا الخير لعلكم تفلحون
كان اليهود في
المدينة يسعون لتحطيم علاقة المودة والأخوة بين المسلمين
فهذا شأس بن قيس
شيخ يهودي شديد الكره للمسلمين مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم فقال قد
اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار
فأمر شابا من يهود كان معهم فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث وما كان
قبله وأنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من أشعار.وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه
الأوس والخزرج وكان النصر فيه للأوس .فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى
تواثب رجلان ليقتتلا ثم انفقا على الحرب عنذ الظهر وقالوا السلاح السلاح فبلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم
فقال يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية
وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للاسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر
الجاهلية وأنقذكم من الكفر وألف بين قلبوبكم؟؟
فعرف القوم أنها
نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق بعضهم بعضا ثم انصرفوا الى رسول الله
سامعين مطيعين وقد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم الله شأس بن قيس فأنزل تعالى : يا
أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم
كافرين ؟ وقال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم
إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار
فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون.
نقد ما يقع اليوم
من تنازع بين أفراد المجتمع الموزعين أحزابا عوض أن يفيد كل حزب بلاده بما لديه من
أفكار وبرامج لاصلاح الوضع الخطير الذي وصلت إليه بلادنا أصبحوا يتسابون ويتصارعون
وقريبا يتقاتلون
فكيف عالج رسول
الله هذا الوضع الخطير ؟؟
كان مبدأ التأخي
العام بين المسلمين قائما منذ بداية الدعوة في عهدها المكي ونهى الرسول صلى الله
عليه وسلم عن كل ما يؤدي إلى التباغض بين المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم : لا
تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق
ثلاثة أيام .وقال صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن
كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عز وجل عنه
كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة .
وقد أكد القرآن
الكريم الأخوة العامة بين أبناء الأمة في قوله تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعا
ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته
إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم
تهتدون.
وقوله تعالى :
وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف
بينهم إنه عزيز حكيم
وحصر الإسلام
الأخوة والموالاة بين المؤمنين فقط قال تعالى ك إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين
أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون .
وقطع الولاية بين
المؤمنين والكافرين من المشركين واليهود والنصارى حتى ولو كانوا آباءهم أو
أقرباءهم قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن
استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون.
وقال تعالى : يا
أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما
جاءكم من الحق .
إن المؤاخاة في
الحب في الله من أقوى الدعائم في بناء الأمة المسلمة فإذا وهنت تآكل كل بنيانها
ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعميق معاني الحب في الله في المجتمع
المسلم الجديد فقد قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين
المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي .
وقال تبارك وتعالى
: حقت محبتي للمتاحبين فيّ وحقت محبتي للمتواصلين فيّوحقت محبتي للمتباذلين فيّ
على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون والشهداء.
كانت توجيهات
الرسول صلى الله عليه وسلم تحث الصحابة على معاني الحب والتكافل واحترام المسلمين
بعضهم بعضا فلا يستعلي غني على فقير ولا حاكم على محكوم ولا قوي على ضعيف وكان
للحب في الله أثره في المجتمع المدني الجديد فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان
أبو طلحة أكثر أنصاري المدينة نخلا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة
المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت
: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم "
قام أبو طلحة فقال : يا رسول الله إن الله يقول الآية وإن أحب أموالي إلي بيرحاء
وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني
أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة بين
أقاربه وبني عمه .
وهذا عبد الرحمن
بن عوف رضي الله عنه يحدثنا عن هذه المعاني الرفيعة حيث قال : لما قدمنا المدينة
آخى رسول الله بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد لي : إني أكثر الأنصار مالا فأقسم
لك نصف مالي فقلت لا حاجة لي بمالك دلني على سوق فيه تجارة فقال سوق قينقاع قال فغدوت إليه فاشتريت وبعت وربحت وتزوجت
أمرأة من الأنصار بزنة نواة من ذهب فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولم
ولو بشاة .
ولا يذوق حلاوة
الأيمان إلا منأشرب هذه الأخوة قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث من كن فيه وجد حلاة
الايمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله
وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار .
والقرآن الكريم
رسم لنا صورة جميلة لأصحاب رسول الله فقال تعالى : محمد رسول الله : مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ
الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
فلنغتنم هذا المكان وهذا الزّمان ونحن بين يدي الله تعالى وليستحضر كلّ منّا
حاجته لخالقه العليّ القدير السّميع البصير مفتتحين دعاءنا بالصّلاة والسّلام
على المبعوث رحمة للعالمين : اللهمّ صلّ على سيّدنا محمّد .......اللّهمّ يا
أرحم الرّاحمين يا ربّ العالمين يا ناصر المستضعفين يا
مفرّج كربة المكروبين نسألك يا الله أن ترحمنا رحمة واسعة تشفي بها سقيمنا وتهدي
بها ضالّنا وتقضي بها حوائجنا وترجع بها غائبنا وترحم بها موتانا . |
اللّهمّ إنّا عبيدك بنو عبيدك بنو
إمائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسأل يا الله بكلّ اسم هو لك
سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم
الغيب عندك ان تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا
وقائدنا وسائقنا إلى جنّاتك جنّات النّعيم . اللّهمّ إليك نشكو ضعف قوّتنا وقلّة
حيلتنا وهواننا على النّاس ، أنت ربّ المستضعفين وربّنا إلى من تكلنا إلى بعيد
يتجهّمنا أم إلى عدوّ ملّكته أمرنا إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي ولكن عافيتك
هي أقرب لنا . اللهمّ فعافنا واعف عنّا ، عافنا يا ربّنا في أسماعنا وأبصارنا
وقوّتنا ما أحييتنا ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا ولا
تسلّط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا . اللّهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا ظلما
كثيرا ونحن نعلم علم يقين أنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت فاغفر لنا ، اغفر
لنا ما قدّمنا وما أخّرنا وما أسررنا وما أعلنّا وما أنت أعلم به منّا اغفر
لنا الذّنوب التي تنزل البلاء والذّنوب التي تحبس الدّعاء اللّهمّ انصر إخواننا في
فلسطين على أعدائك أعداء الدّين الصّهاينة الماكرين ، انصر أطفئ نار الحرب في سوريا وفي البورمة وفي اليمن والعراق ، انصر
جميع المستضعفين واجعلنا سلما على أوليائك حربا على أعدائك أشدّاء على الكفّار
رحماء بيننا وارحمنا بترك المعاصي أبدا ما أحييتنا ووفّقنا إلى كلّ خير
، وفّقنا إلى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وارحم والدينا واهد أبناءنا إلى صالح
الأعمال ربّ اغفر وارحم إنّك غفور رحيم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ
العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire