المواساة
في الهدي النبوي
في الساحلين وصلنا في آخر إحصائية إلى وفاة 27 من أبناء المدينة رحمهم الله
أي 27 عائلة فقدت عزيزا عليها قد يكون أبا أو أما أو أخا أو أختا أو ابنا أو بنتا
وهذه العائلات لها أقارب في الدم وفي الأخوة الإسلامية
وهذه العائلات في حاجة شديدة إلى المواساة وشد الأزر لتحمل المصيبة
المفاجئة التي حلت بهم
مواساة روحية تعاني من فقدانها جميع العائلات المنكوبة تملأ قلوبهم أيمانا ورضا بقضاء الله وقدره
وربما أيضا مواساة مادية لفقد أب ينفق على أفراد العائلة أو أم أو أخ
وهذا دور الأقارب والجيران أيضا والأحباب والأصدقاء
لا نتركهم لوحدهم يعانون الألم بل تجب الإحاطة بهم والدعاء لهم ومساعدتهم
فكم من عائلة لها مريض في حالة حرجة تبحث عن من يتبرع بالدم ولا تتتخيلوا
مقدار فرحتها لما يهتف لها قريب أو صديق ويعلمها بأنه قد تبرع
وكم من عائلة لها أب ينفق وله عيال
وقع له حادث شغل فمات فاحتارت ولها تتصوروا مقدار فرحها لما تجد من يساعدها على
القيام بالاجراآت الإدارية لنيل حقها أمام القضاء
وكم من عائلة فقدت قريبا اثر وفاته فجأة بالوباء عافاكم الله ولا تتصوروا
كم يخف حملها لما ترى الأقارب يساعدون ويحيطون ويدعون للميت ويفرغون جبالا من
الصبر في قلوب أهل الميت
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى
رسول الله قدوتنا لنستمع لقصته مع سيدنا جابر بن عبد الله يرويها جابر
بنفسه يواسيه رسول الله لأنه فقير ومحتاج
فعَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في طريق فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، فَأَتَى
عَلَيَّ النَّبِيُّ فَقَالَ: «جَابِرٌ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «مَا
شَأْنُكَ؟»، قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا،. ثُمَّ قَالَ:
«ارْكَبْ»، فَرَكِبْتُ،. قَالَ: «تَزَوَّجْتَ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «بِكْراً
أَمْ ثَيِّباً؟»، قُلْتُ: بَلْ ثَيِّباً، قَالَ: «أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا
وَتُلاَعِبُكَ؟»، قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ
امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ، وَتَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ: «أَمَّا
إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ، فَالكَيْسَ الكَيْسَ». ثُمَّ قَالَ:
«أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى
المَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ. قَالَ: «آلْآنَ قَدِمْتَ؟»،
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَعْ جَمَلَكَ، فَادْخُلْ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ».
فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ
لِي بِلاَلٌ، فَأَرْجَحَ لِي فِي المِيزَانِ. فَقَالَ: «ادْعُ لِي جَابِراً»،
قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ
مِنْهُ، قَالَ: «خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ»" [1]
. لقد
علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف بصورة عملية العديد من
آداب المواساة، ونستعين بالله عز وجل على ذكر بعضها: 1
- الأدب
الأول: فقه الاختيار لمن يستحق المواساة: لقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم من
يواسيه فوقع اختياره على جابر رضي الله عنه لعدة اعتبارات: الاعتبار الأول: جابر
رضي الله عنه ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ
أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ
يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ
لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ } [البقرة من الآية:273]. فهو أولاً من
صالحي الأنصار الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم وله بهذه النصرة حقٌ عظيمٌ.
الاعتبار الثاني: جابر هو ابن الأنصاري الجليل
عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنه، وله مواطن مشرفة، ومناقب عظيمة
ختمها بالشهادة في سبيل الله عز وجل، ومن حِفظ العهد بالرجل أن يُحْفظَ في أبنائه
وبناته. وعائلة جابر رضي الله عنه كلها عائلة جليلة في الإسلام، ولها جهد في
الدفاع والنصرة عن الدعوة، ولا يليق لمن كان هذا حاله أن يُتْرَك لنوائب الحق بلا
معين له عليها، فحفظ النبي صلى الله عليه وسلم العهد لعبد الله رضي الله عنه في
ولده جابر صلى الله عليه وسلم.
الاعتبار الثالث: أنَّ جابراً رضي الله عنه ممن
يستعين بما رزقه الله عز وجل على أعمال البر والصلاح وحُقّ لمن كان هذا حاله أن
يُعَانَ على مقتضياتِ المروءة، ومنها إعانته على القيام بحق أخواته البنات
اليتيمات
. 2- الأدب
الثاني: صيانة ماء الوجه: لقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يواسيَ جابراً رضي
الله عنه، ولكنَّه أراد أن يصوغ الأمر بصورة يصون بها ماء الوجه لجابر، وتظهر هذه
الصيانة لماء الوجه في عدة أمور، وهذه أهمها: أولاً: أعطى النبي صلى الله عليه
وسلم جابراً بغير أن يطلب العطاء تصريحاً أو تعريضاً، وبغير أن يظهر حاجته بصورة
ما.
ثانياً:
تلطَّف النبي صلى الله عليه وسلم معه في الحوار، وقدّم بمسامرته في موضوع الزواج
وهو موضوع لا علاقة لها بالعطاء البتة.
ثالثاً: قدَّم
له العطاء في صورة تجارية؛ كأنَّه يريد أن يشتري منه جملاً، وليس راغباً في عطائه
ومواساته.
رابعاً: لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً
بذلك البتة، فهذه الحادثة لم يروها غير جابر وحده.
فتأمَّل رحمني اللهُ وإياك سمو هديه صلى الله
عليه وسلم في كيفية الصيانة لماء وجه من يواسيهم، ألا فثواب الصيانة لماء الوجه
أعظم من ثواب المواساة نفسها! فأين هؤلاءِ الأجلافُ الغلاظُ الذين يريقون ماء
الوجه لمن يحتاجون إلى العون والمساعدة من هذه الرقة النبوية، والحفاظ على المشاعر
لمن يحتاجون للمواساة!
فيا من تزعم أنَّك تخشى الله وترجو رحمته ألا
فلتعلم أن تحدّثك بالنفقة والتطوع والمواساة والمعروف يباعدك من رحمة الله سبحانه
وتعالى، ويقربك من سخطه، وعقابه، وعظيم عذابه عياذاً بالله. ألا إنَّ إيذاء
المحتاجين للمواساة بأيِّ نوع من الأذى، أو جرح مشاعرهم بأي صورة مهما دقّت ليس
فقط إحباطاً للثواب؛ بل يجلب على صاحبه عذاباً أليماً، وعقاباً مهيناً عياذاً
بالله عز وجل، وصدق الله إذ يقول:{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن
صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّـهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ . يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي
يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ
صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّـهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:263-264].
وكما جاء
في الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:
«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» . قَالَ:
"فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ ثَلَاثَ مِرَاراً". قَالَ أَبُو ذَرٍّ:
"خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟". قَالَ:
«الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ»
[2]. فانظر بأيِّ عذابٍ قد توعَّد اللهُ سبحانه وتعالى هؤلاءِ المنَّانين،
والمؤذين لمن احتاجوا المواساة: لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولهم
عذاب أليم عياذاً بالله.
أليس يجدر
بنا أن نحول هذا الهدي النبوي إلى منهج نسير عليه! فوالله لا خير في الكلام -تلفظه
وكتابته ونشره- ما لم يكن واقعاً عملياً نسير عليه، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم
إذ يقول: «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو
فَبَائعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» [3]. ألا فمن علم وعمل فقد أعتق
نفسه، وكان القرآن له حجة، نسأل الله بوجهه الكريم أن نكون منهم، ومن علم ولم يعمل
فقد أوبق نفسه، وكان القرآن حجة عليه، نعوذ بالله أن نكون منهم. والآن فقد علمت
فاختر لنفسك الطريق، فأنت وحدك من تتحمل النتيجة..
الخطبة 2
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة
حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم
مستشفى
الساحلين في حاجة للترميم وهذا دورنا واكيد هي صدقة في سبيل الله
من أراد أن
يتطوع فليتصل برئيس جمعية التضامن الاجتماعي الأخ صالح عطية أ والكاتب العام علي
بديرة يقدم تبرعه مقابل وصل أو يقوم بتحويل المبلغ عبر البنك التونسي بالساحلين
جمعية التضامن بالساحلين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire