vendredi 17 juin 2016

خطبة17جوان16بركة صلة الرحم في شهر رمضان وحرمة قطعها

بركة صلة الرحم في رمضان

صلة الرحم في الإسلام
أيها الأخوة الكرام ؛ باب كبير من أبواب الأعمال الصالحة يغفل عنه معظم المسلمين ، ومعصية كبيرة كبيرةً يقترفها الناس لجهلهم وهم لا يشعرون ، إن موضوع الخطبة اليوم عن صلة الرحم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لقد أوصى الإسلام بصلة الرحم ، ونهى نهياً شديداً عن قطيعة الرحم ، فمن مبادئ الإسلام الاجتماعية تمتين العلاقات بين الأقارب ، وأولى الناس بذلك الأقربون رحماً ، فلهم حق الأخوة بالإسلام ولهم حق القرابة . 
دعت آيات القرآن الكريم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلة الرحم ، ورغبت فيها أعظم الترغيب ، وكان الترغيب دينياً ودنيوياً ، ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً ، وقلعة صامدة ، وينشأ عن ذلك أسر متماسكة ، وبناء اجتماعي متين يمد العالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيح النور إلى أبناء أمتهم ، وإلى الناس أجمعين .
معنى الرحم وصلة الرحم :
قال الراغب الأصفهاني :  الرحم : رحم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة
والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم . ومعنى صلة الرحم : الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل ، ويدخل في ذلك زيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، والسعي في مصالحهم .
فضل صلة الأرحام :
1
صلة الرحم من الإيمان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ] رواه البخاري.
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصلة الرحم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .

2-
صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر :
كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[
من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ] . رواه البخاري.
عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ] . رواه البزار والحاكم.
3-
صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :[ الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ] . رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .
4-
صلة الرحم من أسباب دخول الجنة
فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك :

المرء إذا زاره قريبه فرد له زيارته ليس بالواصل ، لأنه يكافئ الزيارة بمثلها ، وكذلك إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن ، أو قضى له حاجه فردّ له ذلك يمثله لم يكن واصلاً بل هو مكافئ ، فالواصل حقاً هو الذي يصل من يقطعه ، ويزور من يجفوه ويحسن إلى من أساء إليه من هؤلاء الأقارب .

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ]. رواه البخاري .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم : إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ] . رواه مسلم .
والمَلّ: الرماد الحار ، قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .
ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون .

قطع الأرحام
إن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعينه أو يسمعه بأذنيه من قطيعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ، حتى أصبح من الأمور المعتادة أن نسمع أن أحد الوالدين أضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ، هذا الذي كان سبب وجوده .

ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية .
قاطع الرحم ملعون في كتاب الله :
قال الله تعالى:  فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم  . سورة محمد:32-33 .
قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن :
قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين :

قال الله تعالى:  وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون  البقرة:26-27.
فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا :
ولعذاب الأخرة أشد وأبقى :
عن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ] . رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه .
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قال : فذلك لك ] . رواه البخاري.
 وعموماً الصلة يمكن أن تكون بما يلي:
1- الزيارة : بأن تذهب إليهم في أماكنهم.
2- الاستضافة : بأن تستضيفهم عندك في مكانك.

3- تفقدهم والسؤال عنهم والسلام عليهم: تسأل عن أحوالهم سواء سألتهم عن طريق الهاتف أو بلغت سلامك وسؤالك من ينقله إليهم , أو أرسلت ذلك عن طريق رسالة.

4- إعطاؤهم من مالك سواء كان هذا الإعطاء صدقة إذا كان الموصول محتاجاً أو هدية إن لم يكن محتاجاً, وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة  رواه النسائي واللفظ له والترمذي وحسنه.
 أيها الأخوة الكرام ؛ صلة الرحم كما قلنا مما يكافئ الله عليه في الدنيا قبل الآخرة ، روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال:
 كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ ، قَالَ أَنَسٌ : فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
 قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ :
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
 وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ - أي الآن ما يشبه مزرعة في أجمل مكان حول المدينة ، فيها ما لذ وطاب ، وفيها كل ما يمتع النظر - بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ بيرحاء: اسم لحديقة فيها نخل .
5- توقير كبيرهم ورحمة ضعيفهم.
6- إنزالهم منازلهم التي يستحقونها وإعلاء شأنهم.

7- مشاركتهم في أفراحهم بتهنئتهم ومواساتهم في أحزانهم بتعزيتهم, فمثلاً هذا تزوج أو رزق بمولود أو توظف أو غير ذلك تشاركه الفرحة بهدية أو مقابلة تظهر فيها الفرح والسرور بفرحة أو مكالمة تضمنها تبريكاتك وإظهار فرحك بما رزقوا, فإن مات لهم أحد أو أصيبوا بمصيبة تواسيهم وتحاول أن تخفف عنهم وتذكرهم بالصبر والأجر للصابرين, وتظهر لهم حزنك لما أصابهم.

8- عيادة مرضاهم.

9- إتباع جنائزهم.

10- إجابة دعوتهم, إذا وجهوا لك الدعوة فلا تتخلف إلا لعذر.

11- سلامة الصدر نحوهم فلا تحمل الحقد الدفين عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقد.

12- إصلاح ذات البين بينهم, فإذا علمت بفساد علاقة بعضهم ببعض بادرت بالإصلاح وتقريب وجهات النظر ومحاولة إعادة العلاقة بينهم 

13- الدعاء لهم,وهذا يملكه كل أحد ويحتاجه كل أحد.

14- دعوتهم إلى الهدى وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب المناسب.
وهذه قصة تؤكد أن عطاء الأقارب صدقة وصلة . وروى البخاري ومسلم:
 عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ قَالَتْ : فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ - أي قالت لزوجها : يا أبا مسعود ، إنك رجل خفيف ذات اليد ، أي الأحوال أقل من وسط ، خفيف ذات اليد تعبير لطيف جداً ، تعبير مهذب، تعبير رقيق . . إنك خفيف- إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ قَالَتْ : فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ ، قَالَتْ : فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ ، قَالَتْ : فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ ؟ قَالَتْ : فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُمَا - ماذا نستنبط من سؤال النبي عن هوية السائل ؟ . . كل سائل له وضع خاص ، الفتوى يجب أن تنصرف إلى حالة يتلبس بها السائل- فَقَالَ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الزَّيَانِبِ - إذاً هو يعلم من أحوال أصحابه ما يعلم ، وهذه هي التربية ، إلقاء العلم شيء ، وتربية النفوس شيء آخر- أي الزيانب قَالَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ ، وَأَجْرُ الصَّدَقَة
[متفق عليه عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود]
صلة الرحم أحد أكبر معالم الدعوة الإسلامية :
 أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في صلة الرحم . . سيدنا جعفر بن أبي طالب حينما سأله النجاشي عن دعوة الإسلام قال:
 أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء
المغزى البعيد من صلة الرحم يقول العالم الاسلامي فضيلة الشيخ راتب النابلسي:
 المغزى البعيد لصلة الرحم: مجال الدعوة إلى الله
أيها الأخوة الكرام ؛ يخطر في بال معظم الناس أن صلة الرحم تكون بزيارة عابرة ، أو باتصال هاتفي ، أو سؤال عن الصحة ، هذا أقل ما في صلة الرحم ، أعيد هذه الفكرة مرتين، وثلاث من أجل أن يرسخ في أذهانكم أن صلة الرحم تبدأ بالزيارة ، مروراً بتفقد الأحوال ، مروراً بالمعاونة ، بالإكرام ، بتلبية الدعوة ، بالمواساة في الأحزان ، بالمشاركة في الأفراح ، وتنتهي بالدعوة إلى الله ، فبطولة الواحد منكم إذا استنار قلبه بنور الله ، وأقبل على الله ، وعرف المنهج الصحيح ، وعرف طريق السعادة ، بطولة أحدكم أن يقنع أقرب الناس إليه ، أن يقنع أهله ، أن يقنع أولاده ، أن يقنع أولاد عمه ، أن يقنع بني حماه ، أن يقنع كل من يلوذ به ، لماذا كنت قريباً لهم ؟ ينبغي أن تحب لهم ما تحب لنفسك ، وأن تكره لهم ما تكره لنفسك ، فالمغزى البعيد البعيد من صلة الرحم أن تأخذ بيد أقاربك إلى السعادة الأبدية ، إلى معرفة الله ، إلى تطبيق منهجه ، إلى طاعته ، إلى ارتياد مجالس العلم ، إلى التفقه بالفقه الحنيف ، هذه صلة الرحم ، تبدأ بزيارة عابرة ، وتمر بتفقد الأحوال ، وعيادة المريض ، وتقديم الهدية ، والإكرام ، والتصدق ، وتلبية الدعوة ، والمشاركة في الأفراح والمواساة في الأحزان ، وتنتهي بأن هذا الذي وصلته ، واعتنيت به ، وأكرمته ، وقدمت له الهدية ، وقربته إلى الله عز وجل ، كان في صحيفتك إلى يوم القيامة ، وأن كل أعماله في صحيفتك . 
 
قال رسول الله صلى الله عيه وسلم يخاطب علي يوم فتح خيبر:
 فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ




vendredi 3 juin 2016

تنزلات القرآن

تنزلات القرآن واعجازه خطبة ما قبل رمضان1437



تنزلات القرآن واعجازه خطبة ما قبل رمضان1437
الحمد للَّهِ الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبنور وجهه تشرق الظلمات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أهل التقوى وأهل المغفرة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اتقى الله فوقاه ، واعتصم به فكفاه ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
القرآن هو الكلام المعجز المنزّل على الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبّد بتلاوته وهو كتاب هداية للأمة يفرق بين الحق والباطل

¨والأصوليون يطلقون القرآن على الكلّ وعلى أبعاضه ، فيقال لمن قرأ اللفظ المنزّل كلّه إنّه قرأ قرآنا ، كما يقال لمن قرأ بعض الآيات منه إنّه قرأ قرآنا
¨شرف الله القرآن بأن جعل له ثلاث تنزلات
¨ودليله قوله سبحانه "بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
¨التنزل الثاني إلى بيت العزة في السماء الدنيا إنا أنزلناه في ليلة مباركة سورة الدخان وفي سورة القدر  إنا أنزلناه في ليلة القدر وفي سورة البقرة : شهر رمضان الذي أنزل فيع القرآن
¨التنزل الثالث بواسطة أمين الوحي جبريل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين
¨ليس لجبريل سوى ايحاؤه للرسول وليس للرسول سوى تبليغه : وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم
¨وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم
¨وقوله : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين
¨وقد ثبت أنّ أوّل ما نزل على الإطلاق قوله تعالى " اقرأ باسم ربّك الذي خلق " إلى قوله تعالى " علّم الإنسان ما لم يعلم "
¨ واستمرّ نزول القرآن يتتابع إلى أن نزل قوله تعالى " واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون "  وعاش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد نزولها تسع ليال ، ثمّ انتقل إلى الرفيق الأعلى 
¨ فكان نزول القرآن منجّما ومفرّقا على مدى أكثر من عشرين سنة ، وهي المدّة الفاصلة بين مبتدأ التنزيل ومختتمه ، وفي ذلك يقول الحقّ تبارك وتعالى " وقرآنا فرقناه ... " 
¨ ولتنجيم القرآن أسرار وحِكم كثيرة : منها ما صرّح بها القرآن ومنها ما نبّه إليها العلماء والمفسّرون 
¨فأمّا ما جاء في القرآن :
¨- 1 -  من ذلك قول الله جلّت حكمته : " وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا "  فالله تعالى لم يُكذب الكفّار حين عابوا على الرسول الأكرم تنزّل القرآن مفرّقا ، وإنّما أجابهم ببيان الحكمة في نزوله على هذه الكيفيّة ، وهي تثبيت فؤاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الحقّ وتقوية قلبه وشحذ عزيمته ، ذلك أنّ في تجدّد نزول الوحي على الرسول وتكرار تنزّله عليه تسلية لقلبه وتأييدا له للمضيّ قدما ، واستشعارا للعناية الإلهيّة المتواصلة
¨2 – ومن ذلك قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم"  لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " وفي ذلك من التيسير على المسلمين في حفظه وتدبّر معانيه والنظر في أحكامه وحِكمه ممّا لا يخفى عن كلّ ذي عقل
¨وأمّا ما أشار إليه العلماء ، فمن ذلك :
¨- 3 - أنّ في نزول القرآن مفرّقا ما يساعد على تكرار التحدّي به وتحقيق الإعجاز ، فقد ثبت أنّ القرآن الكريم قد تحدّى العرب على مراحل متدرّجة ، تحدّاهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو ساعد بعضهم بعضا
¨   فقال تعالى : " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا "  وقال أيضا : " فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين " 
¨ثمّ تحدّاهم بأن يأتوا بعشر سور مثله ، قال تعالى : " أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين "
¨   ثمّ تحدّاهم بأن يأتوا بسورة واحدة منه ، قال تعالى : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين "
¨   فثبت بذلك الإعجاز وظهرت قدرة المعجز
¨- 4 – وفي نزول القرآن منجّما مسايرة للحوادث ومواكبة للوقائع المستجدّة ، فتكون الآيات المنزّلة أوقع في النفس وأبلغ
¨وربّما نزلت بضع آيات في غالب الأحيان كما في سورة اقرأ  ، فأوّل ما نزل منها مفتتح السورة إلى قوله تعالى " علّم الإنسان ما لم يعلم "  وكما في سورة الضحى ، فأوّل ما نزل منها مفتتح السورة إلى قوله تعالى " ولسوف يعطيك ربك فترضى "
¨     وربّما تنزل أحيانا سورة كاملة كما هو الحال بالنسبة لسورة المرسلات فعن عبد الله بن مسعود قال : كنّا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غار حراء فنزلت عليه والمرسلات عرفا فأخذتها من فيه وإنّ فاه رطب بها
¨     وكذلك بالنسبة لسورة الأنعام فعن عبد الله بن عباس قال : نزلت سورة الأنعام بمكّة ليلا جملة وحولها سبعون ألف ملك ، وعن ابن عمر قال : قال رسول الله نزلت عليّ سورة الأنعام جملة واحدة يشيّعها سبعون ألف ملك 
¨وكان كلّما نزل على رسول الله نجم من القرآن طلب إلى أصحابه أن يحفظوه ، فقد كان التعويل على الحفظ في الصدور في ذلك العصر يفوق التعويل على الحفظ بين السطور على عادة العرب يومئذ من جعل صدورهم أناجيلهم
¨ورغم بساطة وسائل الكتابة وأدواتها لديهم فإنّ ذلك لم يصرف بعض من كان يحسن الكتابة من الصحابة من تدوين آيات القرآن الكريم زيادة منهم في التوثّق والحفظ حتّى تظاهر الكتابة الحفظ ، ويعاضد ما دوّن بين السطور ما حصّل في الصدور
¨فكان لرسول الله كتّاب وحي يكتبون ما يملي عليهم من آيات الله ، يدوّنونها في العسب – جريدة النخل – واللخاف – حجارة بيض رقيقة – وفي الرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع 
¨وكان هؤلاء الكتّاب من خيرة صحابة رسول الله ، ففيهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب وخالد بن الوليد وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت
¨   وقد جمع القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الحفّاظ فضلا عن هؤلاء معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو أيّوب الأنصاري وغيرهم
¨ وكان جمع القرآن وترتيب آياته يتمّ حسب إرشاد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وكان هذا الترتيب بتوقيف من جبريل عليه السلام
¨وقد توفّي الرسول صلّى الله عليه وسلّم والقرآن كلّه محفوظ في صدور الحفّاظ من الصحابة مدوّن بين السطور بما تيسّر من وسائل الكتابة آنذاك فبلغت سوره مائة وأربع عشرة سورة ، وبلغت آياته نحو ستّة آلاف ومائتين وستّا وثلاثين آية 
¨   وكان نزول القرآن قد انقسم إلى مدّتين متمايزتين ، مدّة مكّية ومدّة مدنيّة ، فما نزل قبل هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنوّرة اصطلح عليه بالقرآن المكّي ولو كان نزوله بغير مكّة ، وأمّا ما نزل بعد الهجرة فاصطلح عليه بالقرآن المدني ولو كان نزوله بمكّة
¨   وهذا التقسيم هو المشهور ، وقد اعتمده العلماء واشتهر بينهم 
خطبة 2الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
أيها الأخوة ؛ إنكم لن تبلغوا درجة التقوى و الاستنارة بنور الله إلا إذا اتصلتم به ، واستعذتم به واعتصمتم بحبله ، ولن يكون ذلك إلا بالاستقامة على أمره والعمل الصالح من أجله , ورمضان فرصة ذهبية لهذه الصلة.

لذلك .... عن أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام :" من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه " صحيح عند ابن خزيمة
فمن أجل أن يكون صومكم طريقاً إلى التقوى يجب أن يكون صحيحاً و لا يصح بترك الطعام والشراب فحسب , لأن ترك الطعام والشراب فقط ليس بشيءً كما قال الرسول الأعظم صلوات الله عليه" : رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر "
فيا أيها الأخوة لا تجعلوا صيامكم جوعاً وعطشاً ، ولا تجعلوا قيامكم تعباً وسهراً ، لا تجعلوا صيامكم عادةً من عوائدكم تؤدّونها كل عام وأنتم ساهون لاهون ، لا تجعلوا صيامكم بعيداً عن أقوالكم وأفعالكم ، لا تجعلوا صيامكم حسرةً في قلوبكم يوم جمعكم .
لتصم أفواهكم عن الطعام والشراب ، ولتصم سائر جوارحكم عن المعاصي والشبهات
صونوا أعينكم عن النظر إلى المحرمات وتتبع العورات.
صونوا ألسنتكم عن لغو الحديث , وعن الغيبة والنميمة والبهتان.
صونوا آذانكم عن الاستماع إلى الملهيات.
صونوا أيديكم عن البطش والأذى.
صونوا أرجلكم عن السير إلى بؤر الشيطان .
صونوا قلوبكم عن كل خاطر تستحيون من الجهر به .
إذا صمتم هكذا كانت الصلوات الخمس ولاسيما صلاة التراويح مائدة ربانية إليها تجلسون ومن شهدها وثمارها تأكلون ،
نقرا الآية العظيمة الكريمة التي تختزل شهر الصّيام قراءة تدبّر من اجل العمل﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة الآية : 183
دعاء :اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء
. اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .
والحمد لله رب العالمين