dimanche 31 mars 2013

كيف تلقى الصحابة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟




كيفيّة تلقّي الصحابة السنّة النبويّة  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
        كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرصون على حضور مجالسه حرصا شديدا إلى جانب القيام على أعمالهم الحياتيّة وقد يعسر على بعضهم الحضور لاشتغالهم بشؤونهم التجارية والمعاشيّة عموما فيتناوبون مجالسه ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أميّة ابن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنّا نتناوب النزول على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك
        ويقول البرّاء بن عازب : ما كلّ الحديث سمعناه من رسول صلّى الله عليه وسلّم ، كان يحدّثنا أصحابنا وكنّا مشتغلين في رعاية الإبل ، وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسمعونه من أقرانهم وممّن هو أحفظ منهم
           وأمّا الذين بعدت عليهم المسافة وحالت دون حضورهم مجالس رسول الله أو التناوب عليها فكانوا كلّما نزلت بهم نازلة واستعصى عليهم حلّها ولم يهتدوا إلى أحد من أصحاب رسول الله أن يخبرهم بحكم ما أشكل عليهم ضربوا أكباد الإبل نحو مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليسمعوا حكم الله ورسوله فيما نزل بهم ، 
        ومن ذلك ما روي عن عقبة بن الحارث أنّه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت : إنّي قد أرضعت عقبة والتي تزوّج ، فقال لها عقبة : ما أعلم أنّك أرضعتني ولا أخبرتني ، فركب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فسأله ، فقال رسول الله : كيف وقد قيل ، ففارقها عقبة
        وقد كان تلقّي أصحاب الرسول لسنّته الشريفة يتمّ من وجهين اثنين  :
        - 1 – وقائع كانت تحدث للرسول فيبيّن الحكم فيها وينشره بين المسلمين :
            من ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه قال : مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطعام وقد حسّنه صاحبه فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء فقال : ضع هذا على حده وهذا على حده فمن غشّنا فليس منّا   وقد يرى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو يسمع صحابيّا يخطىء فيصحّح له خطأه ويرشده إلى الصواب ، من ذلك ما رواه جابر قال : أخبرني عمر بن الخطاب أنّ رجلا توضّأ فترك موضع ظفرعلى قدمه فأبصره النبيّ فقال : ارجع فأحسن وضوءك ، فرجع ثمّ صلّى
        - 2 – وقائع كانت تحدث للمسلمين فيسألون الرسول عنها فيجيبهم فيما سألوا عنه ، وقد تكون هذه الوقائع من خصوصيات السائل نفسه ، أوقد تكون ممّا يتعلّق بغيره : والصحابة في كلّ ذلك لا يخجلون من ذكر ما تحدث لهم من قضايا ولا يتوانون في عرض ما ألمّ بهم من مشكلات ، بل يسارعون إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليقفوا على حقيقة تطمئنّ لها قلوبهم ويسلّموا بها تسليما
           وكان يفعل ذلك النساء والرجال على حدّ السواء حتّى قالت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها : نِعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين
        وعن إبراهيم بن مهاجر قال سمعت صفيّة تحدّث عن عائشة أنّ أسماء سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الغسل من المحيض فقال : تأخذ إحداكنّ ماءها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ في الطهور ثمّ تصبّ على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتّى يبلغ شؤون رأسها ثمّ تصبّ عليها الماء قالت : وسألته عن الغسل من الجنابة 
        وقد يسألونه عن أخصّ من ذلك ، فيستفتونه في أشدّ الأمور دقّة من ذلك ما رواه عروة بن الزبيّر عن عائشة رضي الله عنها أنّ امرة رفاعة القرظي جاءت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت : كنت عند رفاعة فطلّقني فأبتّ طلاقي فتزوّجت عبد الرحمان بن الزبيّر إنّما معه مثل هدبة الثوب ، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وقال : لعلّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ، وأبو بكر جالس عنده – أي عند النبيّ وخالد بن سعيد بن العاص ينتظر أن يُؤذن له ، فقال : يا أبـا بكر ألا تسمع إلـى هذه مـا تجهر بــه عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
        وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن جدّته أمّ سليم أنّها كانت مجاورة أمّ سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكانت تدخل عليها ، فدخل النبيّ ، فقالت أمّ سليم : يا رسول الله أرأيت إذا رأت المرأة أنّ زوجها يجامعها في المنام أتغتسل ؟ فقالت أمّ سلمة : تربت يداك يا أمّ سليم فضحت النساء عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقالت أمّ سليم : إنّ الله لا يستحي من الحقّ ، وإنّا إن نسأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمّا أشكل علينا خير من أن نكون منه على عمياء ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمّ سلمة : بل أنت تربت يداك ، نعم يا أمّ سليم عليها الغسل إذا وجدت الماء ، فقالت أمّ سلمة : يا رسول الله وهل للمرأة ماء ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : فأنّى يشبهها ولدها ؟ هنّ شقائق الرجال 
        وكان المسلمون يسألونه فيما يخطر لهم من شؤون دينهم ودنياهم دون أن يحجبهم عنه حاجب ولا يمنعهم منه مانع ، لذلك نرى الأعرابي البعيد عنه يسأله كما يسأله الصحابي الملازم له كلّهم يريدون معرفة أحكام دينهم ، بل إنّ الصحابة الملازمين للرسول  صلّى الله عليه وسلّم كانوا ربّما يفضّلون أن يأتي الأعرابي العاقل من أهل البادية فيسأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهم له منصتون 
        ومن ذلك أيضا ما ورد عن أنس بن مالك أنّه قال : بينما نحن جلوس مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثمّ عقله ثمّ قال أيّكم محمد ؟ والنبيّ متّكىء بين ظهرانيهم ، فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتّكىء ، فقال له الرجل : يا ابن عبد المطّلب ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : قد أجبتك ، فقال الرجل للنبيّ : إنّي سائلك فمشدّد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك ، فقال : سل عمّا بدا لك ، قال : أسألك بربّك وربّ من قبلك ، آلله أرسلك إلى الناس كلّهم ؟ فقال : اللّهمّ نعم ،  قال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن تصلّي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ قال : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : اللّهمّ نعم ، فقال الرجل : آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر 
        وعـن أنس أيضا قــال : كنّـا نهينـا أن نسـأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عـن شـيء فكـــــان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمّد أتانا رسولك فزعم أنّك تزعم أنّ الله أرسلك ، قال : صدق ، قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله ، قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله ، قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : الله ، قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال ، آلله أرسلك ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ، قال : صدق ، قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في أموالنا ، قال : صدق 
        قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر في سنتنا ، قال : صدق ، قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ، قال : صدق ، قال : ثمّ ولّى وقال : والذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ ، فقال النبيّ : لئن صدق ليدخلنّ الجنّة  
        وقد يختصم مسلمان في قضيّة أو حكم فيطلبان من الرسول الفصل بينهما في قضيتهما ، من ذلك أنّ عمر ابن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتصبّرت حتّى سلّم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال : أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقلت : كذبت فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أقرأنيها على غير ما قرأت ،  فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت : إنّي سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أرسله ، اقرأ يا هشام ، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله : كذلك أنزلت ، ثمّ قال : اقرأ يا عمر ، فقرأت القراءة التي أقرأني ، فقال : كذلك أنزلت ، إنّ هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسّر منه
        وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنّهما قالا إنّ رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله أنشدك الله إلاّ قضيت لي بكتاب الله ، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه : نعم فاقض بيننا بكتاب الله واذن لي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : قل ، قال : إنّ ابني كان عسيفا على هذا – أي أجيرا – فزنى بامرأته وإنّي أُخبرت أنّ على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني إنّما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأنّ على امرأة هذا الرجم ، 
        فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم ردّ ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، قال : فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجمت
        ومن ذلك ما رواه عروة قال : خاصم الزبيّر رجل من الأنصار فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : اسق يا زبيّر حتّى يبلغ الماء الجدر ثمّ أمسك 
        ومن ذلك أيضا ما رواه رجاء بن حيوة والعرس بن عميرة عن أبيه عديّ قال : خاصم رجل من كندة يقال له امرؤ القيس بن عابس رجلا من حضر موت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أرض فقضى على الحضرمي بالبيّنة فلم تكن له بيّنة ، فقضى على امرؤ القيس باليمين ، فقال الحضرمي : إن أمكنته من اليمين يا رسوا الله ذهبت وربّ الكعبة أرضي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان ،  وتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول الله تعالى " إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا "  فقال امرؤ القيس : ماذا لمن تركها يا رسول الله ، قال : الجنّة ، قال : فاشهد أنّي قد تركتها له كلّها
        هذا ، وقد استقصى الشيخ عبد الله محمد بن فرج المالكي القرطبي قضايا الرسول في كتاب : " أقضية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " فبلغت نحو الثمانين قضيّة
        3 – وقائع عاين فيها أصحاب رسول الله تصرفاته في حال الهدي والإرشاد وحملهم على أكمل الأحوال في جميع المجالات من عبادات ومعاملات وغيرها فتشبّعوا بهذه الروح العالية
           وبهذه الطريقة كانت السنّة النبويّة الشريفة في هذا الدور الأوّل من أدوار الفقه ، كالقرآن الكريم تشرّع للوقائع وتقضي للحوادث وتنبّه على معالي الآداب وترشد إلى تهذيب النفوس والأخلاق ، فكان أصحاب رسول الله يتعلّمون ذلك ويحرصون أشدّ الحرص على ملازمة مجالسه وعدم التفويت فيها ، وكانوا يتذاكرون ما يسمعونه منه دواما واستمرارا بقلوب حيّة وعقول مستنيرة ورغبة جيّاشة  في امتلاك ما به يتمّ إيمانهم ويكمل ورعهم وما به تسمو هممهم نحو العلياء ّ
ما دوّن من السنّة في عصر الرسول:
لقد كان اعتماد أصحاب رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم في تلقّي الحديث عنه مقتصرا  على استعداداتهم في الحفظ وطاقاتهم في الاستيعاب ، ذلك أنّ الرسول الأكرم قد نهى بادىء الأمر عن كتابة أحاديثه وتدوينها خوف اختلاطها بالقرآن ، أو لئلاّ يتّخذ مع القرآن كتاب يضاهيه في التلاوة والقراءة ، فعن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لا تكتبوا عنّي ، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه وحدّثوا عنّي ولا حرج ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار
ثمّ نسخ هذا النهي الصادر عن الرسول في كتابة سنّته وتدوينها فأذن بالكتابة بعد أن زالت الموانع الداعية إلى منع ذلك ، فكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ممّن يسّر الله له تدوين الحديث ، فقد كتب الحديث وجمع منه بخطّ يده ما شاء الله له ذلك ، يشهد لذلك ما ورد عن أبي هريرة أنّه قال : ما من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحد أكثر حديثا عنه منّي  إلاّ ما كان مــن عبد الله بــن عمرو فإنّه كان يكتب ولا  أكتب
        وعن عبد الله بن عمرو قال : كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : أتكتب كلّ شيء تسمعه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشر يتكلّم في الغضب والرضا ؟  فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلاّ حقّ
           وعن أبي هريرة قال : كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقال يا رسول الله : إنّي أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : استعن بيمينك وأومأ بيده إلى الخطّ
        وهكذا فإنّ أصحاب رسول الله كانوا قد كتبوا عن الرسول بعض أحاديثه بإذن خاصّ منه ، ثمّ كتب غيرهم من الصحابة بعد أن زال خوف لبس القرآن بغيره ، فجاء الإذن العام لينسخ النهي الخاص بوقت نزول القرآن
           وتوجد أخبار صحيحة كثيرة تؤكّد أنّ أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد كتبوا صحفا عديدة في هذا الدور الأوّل الذي هو العصر النبوي ، وقد اشتهر منها صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص المعروفة بالصحيفة الصادقة ، حتّى إنّ عبد الله بن عمرو رضي الله عنه كان يقول : ما يرغبني في الحياة إلاّ الصادقة والوهط ، فأمّا الصادقة فصحيفة كتبتها مــن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأمّـا الوهط فأرض تصدّق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها ، وقد نقل الإمام أحمد مضمون هذه الصحيفة في مسنده
        ولمّا استُخلف أبو بكر الصديق وجّه أنس بن مالك عاملا على البحرين ثمّ كتب له كتابا في الصدقات جاء فيه : بسم الله الرحمان الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المسلمين التي أمر الله بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه ... وقد روي أنّ الكتاب كان ممهورا بخاتم الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم
   كما اشتهرت صحيفة عليّ بن أبي طالب ، فقد روي عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي بن أبي طالب هل عندكم كتاب ؟ قال : لا إلاّ كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة ، قال : قلت فما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر
        وكان لأبي هريرة رضي الله عنه كتبا جمعها في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضمّنها أحاديثه ، فقد روى الفضيل بن حسن بن عمرو بن أميّة الضمري عن أبيه قال : تحدثت عند أبي هريرة بحديث فأنكره ، فقلت : إنّي قد سمعته منك ، فقال : إن كنت سمعته منّي فهو مكتوب عندي ، فأخذ بيدي إلى بيته فأرانا كتبا كثيرة من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد ذلك الحديث ، فقال : قد أخبرتك أنّي إن كنت حدّثتك به فهو مكتوب عندي 
           وكان سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه يحتفظ كذلك بكتب فيها طائفة من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
        وإضافة إلى ما دوّنه الصحابة من أحاديث الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مختلف مسائل الدين والحياة ممّا نطق به الصادق الأمين ، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد اتّخذ كتّابا فاقوا الستّين كاتبا ، كتبوا له جميع المحالفات والمعاهدات مع القبائل والملوك سوى ما كتب إليهم من المراسلات ، كما كتبوا له الكتب التي كان يرسلها إلى عمّاله وولاّته
   ومن أشهر هذه الكتب الكتاب الذي أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بتدوينه في السنة الأولى للهجرة ، وهو عبارة عن وثيقة نظّم الرسول بموجبها العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم الناشىء بالمدينة المنوّرة والمؤلّف من المهاجرين والأنصار،  وبينه وبين المجموعات الأخرى المتواجدة في المدينة كعرب يثرب ويهود المدينة
        وقد جاء في مقدّمة هذا الكتاب : بسم الله الرحمان الرحيم ، هذا كتاب من محمّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنّهم أمّة واحدة من دون الناس ... ،  وجاء في ختامه : وأنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم وأنّه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلاّ من ظلم وأثم ، وأنّ الله جار لمن برّ واتّقى ومحمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
        وكتب إلى هرقل عظيم الروم وإلى المقوقس عظيم القبط وإلى كسرى أبرويز عظيم فارس وإلى المنذر بن ساوى العبدي عامل كسرى على البحرين وإلى باذان الفارسي ملك اليمن وإلى ربيعة بن ذي المرحب من حضر موت وإلى هوذة بن علي شيخ اليمامة ، وإلى عمير ذي مرّان من همدان وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة ، كما كتب إلى أسقف الروم بالقسطنطينيّة وإلى أسقف أيلة وأهلها وإلى أبي الحارث بن علقمة أسقف نجران وكتب إلـى أهل عمان والبحرين
        كما كتب أيضا إلى عامّة المسلمين في ثقيف وكتب عهودا لليهود وللنصارى ولأقارب سلمان الفارسي المجوسيين وكتب إلى عمّاله في الصدقات وبيّن لهم كيف يسيرون في أهل الإسلام ، فكتب إلى واليه على البحرين العلاء بن الحضرمي فـي الزكاة وإلى شرحبيل بن عبد كلال وغيره من أهل اليمن ممّن أسلم في الزكاة والديات وإلى فروة ابن مسيك في الصدقات ، وغيرها من الكتب التي أربت على مائتي كتاب وثمانين كتابا
        وهكذا كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعاهدون السنّة النبويّة الشريفة بالحفظ والتدوين بمثل ما كانوا يتعاهدون القرآن الكريم حتّى قيل إنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت عنده نسخ العهود والمواثيق ملىء صندوق



للاستماع للخطبة

jeudi 21 mars 2013

ردا على" صديق للاسلام جاهل "يريد مسلما قرآنيا ناكرا للسنة الشريفة


هذه مهام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ووظائف سنته التي تنكرها جهارا وتقول : اعطوني آية توجب على المسلم اتباع الرسول وتنشر بين الناس بدعة "المسلم القرآني الناكر للسنة الشريفة "


مهمّة التبيين :
        كرّم الله نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بمهمّة التبيين ، تبيين مراد الله تعالى ممّا أجمله من أحكام ، وإيضاح الحقّ حين يختلف فيه الناس ليكون للرسول صلّى الله عليه وسلّم إضافة إلى مهمّة التبليغ ، الاختصاص بمنزلة التفويض إليه ، قال تعالى " وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم " وقال أيضا " وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه "
         
        فكانت السنّة النبويّة الشريفة خير معين على فهم كتاب الله العزيز والتطلّع إلى فهم مقاصده ، لذا كان الصحابة في هذا الدور في حاجة أكيدة إلى معرفة سنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع حاجتهم إلى معرفة كتاب الله تعالى
           والمقصود من مصطلح السنة – في هذا المجال – : ما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قول أو فعل أو تقرير
         فالقول : ما تحدّث به النبيّ في مختلف المناسبات ممّا يتعلّق بتشريع الأحكام
           والفعل : ما نقله الصحابة من أفعال النبيّ في مختلف شؤون الحياة
           والتقرير : ما أقرّه النبيّ من أفعال صدرت عن بعض أصحابه الكرام بسكوت منه مع دلالة الرضى ، أو بإظهار استحسان وتأييد
        وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، فالقرآن الكريم هو أساس الشريعة ومصدرها الأوّل وقد تقدّمها لأنّ كلام الله تعالى منزّل على رسوله باللفظ والمعنى ومتعبّد بتلاوته ومقطوع به جملة وتفصيلا ، أمّا السنّة فهي مقطوع بها على الجملة لا على التفصيل ، وهي بيان للقرآن ، والبيان متأخّر على المبيّن
        والعمل بسنّة رسول الله   صلّى الله عليه وسلّم واجب محتّم على كلّ مسلم ، دلّ على ذلك القرآن الكريم في غير موضع ، فقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول وجعل طاعة الرسول طاعة لله ، فقال " من يطع الرسول فقد أطاع الله " ، وأمر المسلمين بوجوب اتّباع الرسول فيما يأمر به وينهى ، فقال تبارك وتعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " ، وقرن طاعة الله بطاعة رسوله في آيات كثيرة ، فقال " يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "  فأمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأعاد الفعل إعلاما بأنّ طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب ، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه ، فإنّه أوتي الكتاب ومثله معه
        وفي أقوال الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما يحثّ على ذلك ، فمن بلاغا ت الإمام مالك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب الله وسنّة نبيّه ، وعن أبي رافع – مولى النبيّ واسمه أسلم – أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال : لا ألفينّ أحدكم متّكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه
           وفي هذا دليل على أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد أوتي القرآن والسنّة ، وأنّ الاقتصار على القرآن لا يبلغ بالمؤمن إلى مراد الله تعالى
        وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لا يفرّقون بين حكم ورد في القرآن وبين حكم صدر عن رسول الله وإنّما كانوا يتقبّلون كلّ الأوامر بالطاعة والعمل 
         فقد ورد عن ابن مسعود أنّه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد ، فقالت : يا أبا عبد الرحمان بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله وهو في كتاب الله فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
        وعن عبد الرحمان بن يزيد أنّه رأى مُحرما عليه ثيابه فنهاه ، فقال : ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي فقرأ عليه : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
        ومن هذا المنطلق كان القرآن غالبا ما يحتاج إلى بيان مجمله وتقييد مطلقه وتخصيص ما كان منه عامّا وتفسير ما كان منه مشكلا وتحقيق ما كان منه محتملا  ، وقد قامت السنّة النبويّة الشريفة بتلك المهمّة     فحريّ بنا أن نتعرّض لبيان مكانتها من ناحية ما ورد فيها من أحكام  وذلك ببيان وظيفتها ونسبتها إلى القرآن
        وفيما يلي بيان لذلك :
وظيفة السنّة النبويّة
من حيث دلالتها على الأحكام الشرعيّة
        إذا تتبّعنا السنّة النبويّة من حيث دلالتها على الأحكام الشرعيّة وجدناها تردّ إلى وظائف ثلاث  في مجال خدمة القرآن الكريم ، وهي :
        - 1 – أن تكون موافقة لما جاء في القرآن ، فترد مورد التأكيد والتقرير
        - 2 – أن تكون بيانا لما ورد في القرآن  ، فتبيّن مجمله وتقيّد مطلقه وتخصّص عامه وتوضّح مشكله  
        - 3 – أن تدلّ على حكم سكت عنه القرآن فتستقلّ حينئذ بالتشريع وتكون مؤسّسة لحكم ابتداءً
         
        الوظيفة الأولى :
   أن تكون موافقة لما جاء في القرأن بتقرير مضمونه وتأكيد أحكامه بما يقطع احتمال المجاز ، فتأمر بعين ما أمر به وتنهى عن عين ما نهى عنه وتخبر بعين ما أخبر به ، فتكون مطابقة لما جاء في القرآن مطابقة تامّة ، وحينئذ يكون للحكم الشرعي مصدران ويقوم عليه دليلان شرعيان ، دليل من القرآن ودليل مؤيّد من السنّة النبويّة ، ومن أمثلة ذلك :
الأحاديث التي أفادت الإقرار بوحدانيّة الله والتصديق برسالة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وكذلك الأحاديث التي أمرت بوجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ البيت من غير أن تتعرّض لبيان شروطها وأركانها ، فهي موافقة للآيات التي وردت في ذلك ، كالحديث الذي ورد عن عبد الله بن عمر ابن الخطاب أنّه قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصوم رمضان  ”
        فإنّه موافق لقول الله تعالى "  وإلهكم إله واحد لا إله إلاّ هو " وقوله تعالى " ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيئين " وقوله تعــالى " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " وقولــــه  تعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هذى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه "  وقوله تعالى " ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا "
        ومثل قول الله تعالى " يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " فأكّدت السنّة هذا المعنى ووافقته بما ورد عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : كلّ المسلم على المسلم حرام  فذكر ماله
        * ومثل قول الله عزّ وجلّ في شأن الزوجات " وعاشروهنّ بالمعروف " فوافقت السنّة هذا الحكم وأيّدته بما ورد عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : استوصوا بالنساء خيرا
        * ومثل قول الله تعالى " وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة " وروى أبو موسى الأشعري أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال : إنّ الله ليملي للظالم حتى أخذه لم يفلته
        ونحو ذلك من الآيات  القرآنيّة التي جاءت السنّة فوافقتها وأيّدتها فيكون توارد القرآن والسنّة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلّة وتظافرها
        2 – الوظيفة الثانية :
           أن تكون مفصّلة ومفسّرة لما جاء في القرآن ، وهذا التفصيل والتفسير يكون على أربعة أوجه :
      * الوجه الأوّل : تبيين ما جاء في القرآن مجملا :
        يدخل تحت هذا الوجه الأحاديث التي فصّلت ما أجمل في القرآن من أحكام العبادات كبيان كيفيّة إقامة الصلاة وتفصيل مواقيتها وعدد ركعاتها وسائر أحكامها ، وبيان مقادير الزكاة وأوقاتها والأموال التي تجب فيها ، وبيان أحكام الصوم ، ومناسك الحجّ ، وأحكام الذبائح والصيد ، وتفاصيل الأنكحة ، وأحكام البيوع ممّا وقع مجملا في القرآن
           وفيما يلي أمثلة نصيّة في ذلك :
        2 – الوظيفة الثانية :
           أن تكون مفصّلة ومفسّرة لما جاء في القرآن ، وهذا التفصيل والتفسير يكون على أربعة أوجه :
      * الوجه الأوّل : تبيين ما جاء في القرآن مجملا :
        يدخل تحت هذا الوجه الأحاديث التي فصّلت ما أجمل في القرآن من أحكام العبادات كبيان كيفيّة إقامة الصلاة وتفصيل مواقيتها وعدد ركعاتها وسائر أحكامها ، وبيان مقادير الزكاة وأوقاتها والأموال التي تجب فيها ، وبيان أحكام الصوم ، ومناسك الحجّ ، وأحكام الذبائح والصيد ، وتفاصيل الأنكحة ، وأحكام البيوع ممّا وقع مجملا في القرآن
           وفيما يلي أمثلة نصيّة في ذلك :
        فرض الله تعالى الصلاة على المؤمنين وحرّضهم على المحافظة على آدائها فقال " والذين هم على صلواتهم يحافظون " من غير أن يبيّن سبحانه وتعالى أوقاتها في القرآن ، بل أورد ذلك مجملا في قوله تعالى " إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فتولّت السنّة تفصيل أوقات الصلاة ، فمن ذلك ما رواه سليمان بن بريدة عن أبيه أنّ رجلا سأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن وقت الصلاة ، فقال له : صلّ معنا هذين – يعني اليومين – فلمّا زالت الشمس أمر بلالا فأذّن ثمّ أمره فأقام الظهر ، ثمّ أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقيّة ، ثمّ أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثمّ أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثمّ أمـره فأقام الفجر حيــن طلع الفجر ، 
        فلمّا أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر ، فأبرد بها – فأنعم أن يبرد بها – وصلّى العصر والشمس مرتفعة أخّرها فوق الذي كان ، وصلّى المغرب قبل أن يغيب الشفق ، وصلّى العشاء بعد مـا ذهب ثلث الليـل وصلّـى الفجر فأسفـر بهـا ، ثمّ قال : أيـن السائـل عـن وقت الصلاة ، فقال الرجل أنا يا رسول الله ، قال : وقت صلاتكم بين ما رأيتم ”
        ومثاله أيضا ما ورد في القرآن الكريم مجملا في قول الله تعالى " وأقيموا الصلاة " ، فبيّن رسول الله بصلاته وتعليمه المسلمين كيفيّة الصلاة وعدد ركعاتها ومواضع السرّ فيها من الجهر وقال : صلّوا كما رأيتموني أصلّي
        وأوجب الله تعالى الزكاة بنصّ القرآن الكريم من غير أن يبيّن شروط وجوبها ولا نصابها ولا الأموال التي تجب فيها فجاءت السنّة ببيان كلّ ذلك ، فذكرت من شروط وجوبها تمام الحول فقد روى عليّ بن أبي طالب أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : ليس في مال زكاة حتّى يحول عليه الحول ، وحدّدت النصاب الذي تجب فيه الزكاة ، فقدورد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة "
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ليس في أقلّ من خمس ذود شيء ، ولا في أقلّ من أربعين من الغنم شيء ،  ولا في أقلّ من ثلاثين من البقر شيء ، ولا في أقلّ من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقلّ من مائتي درهم شيء " ، وعيّنت المقدار الواجب في كلّ نوع من أنواعها ، فعن سالم بن عبد الله عن أبيه أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم : فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر "  وعــن سالم عـن أبيه أيضا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم  كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قُبض فقرنه بسيفه ، فلمّا قبض عمل به أبو بكر حتّى قبض وعمر حتى قبض  ، وفيه بيان مفصّل لزكاة الإبل والغنم في كلّ قدر بلغته وما يجب إخراجه في ذلك 
        الوجه الثاني : تقييد ما جاء في القرآن مطلقا :
           مثل قول الله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "  فإنّ قطع اليد لم يقيّد في الآية بموضع خاص ، واليد تطلق على الكفّ أي من أطراف الأصابع إلى الكفّ  أو من أطراف الأصابع إلى الكتف ،  لكنّ السنّة النبويّة قيّدت القطع من الرسغ ، فقد ورد عن عبد الله بن عمرو أنّه قال : قطع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سارقا من المفصل  فالرسول صلّى الله عليه وسلّم  بسنّته الفعليّة قّّد مطلق الآية ، فبان أنّ مراد الله من اليد : اليد اليمنى ، وأنّ موضع القطع يكون من الكوع لا من المرفق ولا من الذراع
        * الوجه الثالث : تخصيص ما جاء في القرآن عاما  :
           ومن أمثلة ذلك ما جاء في قوله تعالى " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "  فهذه الآية نصّت على حكم عام في وراثة الأولاد لآبائهم وأمّهاتهم  يثبت في كلّ أصل مورّث وفي كلّ ولد وارث ، ثمّ جاءت السنّة النبويّة فخصّت الموروث بغير الأنبياء لقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما روته عائشة : لا نورث ما تركناه صدقة
           وخصّت السنّة كذلك الوارث بغير القاتل المتعّّد لقول الرسول : لا يرث القاتل شيئا ، فلمّا ثبت عن رسول الله ذلك عُلم أنّ الله أراد بعض الأولاد دون بعض
        * الوجه الرابع : توضيح ما جاء في القرآن مشكلا  :
           كما في الحديث الذي بيّن المراد من الخيطين في قول الله عزّ وجلّ " وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر "  فقد أشكلت هذه الآية على بعض الصحابة وفهموا منها العقال الأبيض والعقال الأسود فقال لهم الرسول : هما بياض النهار وسواد الليل
           فقد ورد عن عدي بن حاتم قال : لمّا نزلت " حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود " عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله فذكرت له ذلك فقال : إنّما ذلك سواد الليل وبياض النهار ، 
        وفي رواية أخرى : أنّ عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله ما " الخيط الأبيض من الخيط الأسود " أهما الخيطان ، قال : إنّك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثمّ قال : لا بل سواد الليل وبياض النهار ، وفي رواية ثالثة : إنّ وسادك لعريض طويل ، إنّما هو الليل والنهار
        ومن أمثلة ما أشكل في القرآن وقامت السنّة بتوضيحه قول الله تبارك وتعالى " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم "  وقد ورد تفسير الظلم في هذه الآية بالشرك ولكنّ بعض الصحابة أشكل عليهم ذلك أوّل الأمر وفهموا من الآية عموم الظلم فشقّ ذلك عليهم ، 
        فعن عبد الله بن مسعود قال لمّا نزلت هذه الآية " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " شقّ ذلك على أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالوا : أيّنا لم يظلم نفسه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ليس كما تظنون إنّما هو كما قال لقمان لابنه " لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم "
        - 3 – الوظيفة الثالثة : السنّة المكمّلة أو المستقلّة بالتشريع :
        وهي كلّ ما شرّع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما ليس فيه نصّ من القرآن ، فأضاف بسنّته أحكاما جديدة ، فيكون بذلك قد أثبت وأنشأ أحكاما سكت عنها القرآن ، ويكون الحكم حينئذ ثابتا بالسنّة ولا يدلّ عليه نصّ من القرآن
        وقد تقرّر استقلال السنّة في تشريع الأحكام وإثباتها لأحكام زائدة عن القرآن استنادا إلى ما جاء في القرآن من وجوب طاعة الرسول استقلالا ، فلا مناص من وجوب الاعتداد بالزيادة التي جاء ت بها السنّة
ومن بين الأمثلة الدالة على ذلك :
        ما جاء عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وسلّم من نهي عن أكل كلّ ذي ناب من السباع وكلّ ذي مخلب من الطير  وليس ذلك في القرآن
        وروى ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهليّة * وكذا تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال لما روي عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال : إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم  أخذ حريرا فجعله في يمينه ، وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثمّ قال : إنّ هذين حرام على ذكور أمّتي
        وكما في ميراث الجدّة ، فقد سئل عنها أبو بكر فقال : مالك في كتاب الله من شيء ، فلمّا أخبره المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعطاها السدس أمضى لها ذلك  رغم أنّه لا أصل لها في القرآن ، ولكن السنّة اختصّت بتشريعها
        ومن أمثلة ما اختصّت به السنّة من التشريعات في مجال العبادات ما تعلّق بزكاة الفطر، فقد روي عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كلّ حرّ أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين ونحو ذلك من الأحكام والتشريعات التي استقلت السنّة بها
        وهكذا كان أصحاب رسول الله في هذا الدور الأوّل من أدوار تاريخ الفقه ، الذي هو العصر النبوي يستفيدون الأحكام من القرآن العظيم ومن الرجوع إلى سنّة الرسول الكريم ، حتّى أنّه قد بلغ بهم الحال في الاقتداء به أن كانوا يفعلون ما يفعل ويأتون ما يأتي ويتركون ما يترك دون أن يعلموا أحيانا لذلك سببا أو يطّلعوا في ذلك على حكمة أو يتطلّعوا إلى معرفة علّة الحكم
         
الاستماع للفيديو
http://youtu.be/gqDvPy6N18M