vendredi 26 février 2021
jeudi 25 février 2021
lundi 22 février 2021
samedi 20 février 2021
vendredi 12 février 2021
jeudi 11 février 2021
lundi 8 février 2021
vendredi 5 février 2021
jeudi 4 février 2021
من أركان الايمان : الايمان بالرسل
الايمان
بالرسل 4/2/2021
الإيمان بالرسل، هو الركن
الرابع من أركان الإيمان، فلا يصلح إيمان العبد إلا به.
فقد أمر
الله سبحانه بالإيمان بهم، وقرن ذلك بالإيمان به فقال: ﴿فآمنوا بالله ورسله﴾
~(النساء: 171).
وجاء
الإيمان بالرسل، في "المرتبة الرابعة" من التعريف النبوي للإيمان، كما
في حديث جبريل: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .. )، وقرن الله سبحانه الكفر
بالرسل بالكفر به، فقال:﴿ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل
ضلالا بعيدا﴾ ~(النساء:136)، ففي هذه الآيات دليل على أهمية الإيمان بالرسل، ومنزلته
في دين الله
الفرق بين النبي والرسول
الرسول: هو
الذي أنزل عليه كتاب ومعجزة تثبت نبوته، وأمره الله بدعوة قومه لعبادة الله.
أما النبي:
هو الذي لم ينزل عليه كتاب إنما أُوحيَ إليه أن يدعو قومه لشريعة رسول قبله مثل
أنبياء بني إسرائيل كانوا يدعون لشريعة موسى وما في التوراة،
وعلى ذلك..
يكون كل "رسول، نبي" وليس كل "نبي، رسول".
والإيمان
برسل الله عز وجل، مرتبط ببعضه، حيث من كفر بواحد منهم، فقد كفر بالله تعالى،
وبجميع الرسل، وذلك لأنهم جميعاً يدعون إلى دين واحد، وهو عبادة الله.
كما قال
تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إليه مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ
مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ﴾ ~[البقرة:285].
وقال
تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن
يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ
بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا
وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ
مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا
رَّحِيمًا﴾ ~[النساء:150 – 152].
وعلينا
الإيمان، بأنهم بلّغوا جميع ما أُرِسلوا به، وما أمرهم الله به، وأنهم بيّنوه
بياناً لا يسع أحداً ممّن أرسلوا إليه جهله، ولا يحل خلافه.
قال تعالى:
﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ ~[النحل:35].
وقال
تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾
~[النحل:82].
وأما
الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فتصديقه واتباع ما جاء به من الشرائع إجمالاً
وتفصيلاً..
معنى الإيمان بالرسل
معنى
الإيمان بالرسل، كما ورد في كتاب "معارج القبول" هو: (التصديق الجازم
بأن الله تعالى، بعث في كل أمةٍ رسولاً، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، لا شريك له،
والكفر بما يعبد من دونه، وأَنَّ جميعهم صادقون مصدقون أتقياء أمناء هداة مهتدون،
وأنهم بلَّغوا جميع ما أرسلهم الله به، لم يكتموا حرفاً، ولم يغيروه، ولم يزيدوا
فيه من عند أنفسهم حرفاً ولم ينقصوه، فهل على الرسل إلا البلاغ المبين.
وأنهم كلهم
كانوا على الحق المبين، وأن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، واتخذ محمداً صلى
الله عليه وسلم خليلاً، وكلَّم موسى تكليماً، ورفع إدريس مكاناً عليَّا، وأن عيسى
عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الله تعالى فضل بعضهم على
بعض، ورفع بعضهم على بعض درجات.
وقد اتفقت
دعوتهم من أولهم إلى آخرهم في أصل الدين وهو توحيد الله عز وجل بإلهيته، وربوبيته،
وأسمائه وصفاته، ونفي ما يضاد ذلك، أو ينافي كماله، كما تقدم ذلك في تقرير توحيد
الطلب والقصد.
وأما فروع
الشرائع، من الفرائض، والحلال، والحرام، فقد تختلف.. فيفرض على هؤلاء، ما لا يفرض
على هؤلاء، ويُخفف على هؤلاء، ما شدد على أولئك، ويحرم على أمة ما يحل للأخرى
وبالعكس لحكمة بالغة وغاية محمودة قضاها الله عز وجل "ليبلوكم فيما
آتاكم"، ول"يبلوكم أيكم أحسن عملاً".
قال تعالى:
﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ
عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ ~[النساء:164].
وقال
تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا
عَلَيْكَ﴾ ~[غافر:78]
فنؤمن
بجميعهم تفصيلاً فيما فصل، وإجمالاً فيما أجمل.
وكتب الشيخ محمد طه شعبان: (الإِيمَانُ بِالرُّسُلِ مَعْنَاهُ، اعْتِقَادُ
أَرْبَعَةِ أَشْيَاء:
أَوَّلًا:
الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ بَعَثَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا
يَدعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَالْكُفْرِ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ
دُونِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي
كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾
[النحل: 36].
ثَانِيًا: الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ، الَّذِينَ ذُكِرَتْ لَنَا أَسْمَاؤُهُمْ
فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَهُمْ:
(آدَمُ، وَنْوحٌ، وَإِدْرِيسُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوبُ، وَدَاوُدُ،
وَسُلَيْمَانُ، وَأَيُّوبُ، وَيُوسُفُ، وَمُوسَى، وَهَارُونُ، وَزَكَرِيَّا،
وَيَحْيَى، وَعِيسَى، وَإِلْيَاسُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَالْيَسَعُ، وَيُونُسُ،
وَهُودٌ، وَصَالِحٌ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبٌ، وَذُو الكِفْلِ، وَخَاتَمُ
النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٌ)، فهؤلَاء خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نَبِيًّا وَرَسُولًا،
عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجْمَعِينَ.. وَالْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ،
الَّذِينَ لَمْ تُذْكَرْ لَنَا أَسْمَاؤُهُمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ
مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر: 78]
ثَالِثًا: الْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، هُوَ آخِرُ
الْأَنْبِياءِ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40].
رَابِعًا:
اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلَّغُوا جَمِيعَ مَا
أَرْسَلَهُمُ اللهُ
بِهِ، لَمْ يَكْتُمُوا حَرْفًا وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ وَلَمْ يَزِيدُوا فِيهِ مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ حَرْفًا وَلَمْ يُنْقِصُوهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالى: ﴿فَهَلْ
عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل: 35].
من هؤلاء
الخمسة والعشرين أربعة من العرب، فقد جاء في حديث أبي ذر في ذكر الأنبياء
والمرسلين: (منهم أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر).
عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بالرسل
أهل السنة
والجماعة يؤمنون، ويعتقدون، اعتقاداً جازماً بأن الله سبحانه، أرسل إلى عباده
رسلاً مبشرين ومنذرين، ودعاة إلى دين الحق، لهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى
النور.
فكانت
دعوتهم إنقاذاً للأمم من الشرك والوثنية، وتطهيراً للمجتمعات من التحلل والفساد،
وأنهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حق جهاده، وقد
جاؤوا بمعجزات باهرات تدل على صدقهم، ومن كفر بواحد منهم؛ فقد كفر بالله تعالى
وبجميع الرسل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ
بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ
سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ
عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾.
وقد بين
الله الحكمة من بعثة الرسل الكرام، فقال تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾.
والإيمان
بالرسل إيمان مجمل، والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إيمان مفصل يقتضي ذلك
منهم اتباعه فيما جاء به على وجه التفصيل.
العلاقة بين الإيمان بالله والإيمان بالرسل
الذين
يزعمون أنَّهم مؤمنون بالله ولكنّهم يكفرون بالرسل والكتب هؤلاء لا يقدرون الله
حقَّ قدره، كما قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ ~[الأنعام: 91]. فالذين يقدرون
الله حقَّ قدره، ويعلمون صفاته التي اتصف بها من العلم والحكمة والرحمة لا بدَّ أن
يوقنوا بأنَّه أرسل الرسل وأنزل الكتب، لأن هذا مقتضى صفاته، فهو لم يخلق الخلق
عبثاً، ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ ~[القيامة: 36].
ومن كفر
بالرسل وهو يزعم أنَّه يؤمن بالله فهو عند الله كافر لا ينفعه إيمانه، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا
بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ حَقّاً﴾ ~[النساء: 150-151].
فقد نصَّت
الآية على كفر من زعم الإيمان بالله وكفر بالرسل: ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا
بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾، يقول القرطبي في هذه الآية: (نصّ سبحانه على أنَّ
التفريق بين الله ورسله كفر، وإنَّما كان كفراً لأنَّ الله فرض على الناس أن
يعبدوه بما شرعه على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل ردّوا عليهم شرائعهم، ولم
يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أُمروا بالتزامها، فكان كجحد
الصانع سبحانه، وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية، وكذلك
التفريق بين الله ورسله).
صفات الرسل
أنهم بشر،
والفرق بينهم وبين غيرهم أن الله اختصهم بالوحي والرسالة، قال تعالى: ﴿وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ ْ(الأنبياء: 7)..
فليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، ولكنهم بشر بلغوا الكمال في الخِلقة
الظاهرة، كما بلغوا الذروة في كمال الأخلاق، كما أنهم خير الناس نسبا، ولهم من
العقول الراجحة واللسان المبين ما يجعلهم أهلًا لتحمل تبعات الرسالة والقيام بأعباء
النُبوَّة.. وإنما جعل الله الرسل من البشر ليكون قدوتهم من جنسهم، وحينئذ فإن
اتباع الرسول والاقتداء به هو في مقدورهم وفي حدود طاقتهم.
اختصهم الله
بالرسالة، فالله عز وجل قد خصهم بالوحي دون بقية الناس، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد﴾ ~(الكهف:
110).. فليست النبوة والرسالة مكتسبة بالصفاء الروحي ولا الذكاء والمنطق العقلي،
وإنما اختيار واصطفاء رباني، فقد اختار الله الرسل واصطفاهم من بين سائر الناس،
كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه﴾ ~(الأنعام: 124).
أنهم معصومون
فيما يبلِّغونه عن الله، فهم لا يخطئون في التبليغ عن الله، ولا يخطئون في تنفيذ ما أوحى الله
به إليهم.
الصدق،
فالرسل عليهم السلام صادقون في أقوالهم وأعمالهم، قال تعالى: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ
الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُون﴾ ~(يس: 52).
الصبر، فقد
دعوا إلى دين الله تعالى مبشرين ومنذرين، وقد أصابتهم صنوف الأذى وأنواع المشاق،
فصبروا وتحمّلوا في سبيل إعلاء كلمة الله، قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ
أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل﴾ ~(الأحقاف: 35).
واجب المؤمنين تجاه الرسل
يجب على
الأمة تجاه الرسل، حقوق عظيمة بحسب ما أنزلهم الله من المنازل الرفيعة في الدين،
وما رفعهم الله إليه من الدرجات السامية الجليلة عنده، وما شرفهم به من المهمات
النبيلة، وما اصطفاهم به، من تبليغ وحيه وشرعه لعامة خلقه. ومن هذه الحقوق:
تصديقهم جميعًا
فيما جاءوا به، وأنهم مرسلون من ربهم، مبلغون عن الله ما أمرهم الله بتبليغه لمن أرسلوا إليهم
وعدم التفريق
بينهم في ذلك. قال
تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾
~[النساء: 64]. فيجب تصديق الرسل فيما جاءوا به من الرسالات وهذا مقتضى الإيمان
بهم.. ومما يجب معرفته أنه لا يجوز لأحد من الثقلين متابعة أحدٍ من الرسل السابقين
بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث للناس كافة، إذْ أن شريعته جاءت ناسخة
لجميع شرائع الأنبياء قبله، فلا دين إلا ما بعثه الله به ولا متابعة إلا لهذا
النبي الكريم. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ~[آل عمران: 85]. وقال
تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ~[سبأ: 28].
موالاتهم
جميعًا ومحبتهم والحذر من بغضهم وعداوتهم.. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾
~[المائدة: 56]. وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ ~[التوبة: 71]. فتضمنت الآية وصف المؤمنين بموالاة بعضهم لبعض
فدخل في ذلك رسل الله الذين هم أكمل المؤمنين إيمانًا، وعليه فإن موالاتهم ومحبتهم
في قلوب المؤمنين هي أعظم من موالاة غيرهم من الخلق لعلو مكانتهم في الدين ورفعة
درجاتهم في الإيمان. ولذا حذر الله من معاداة رسله وعطفها في الذكر على معاداة
الله وملائكته، وقرن بينهما في العقوبة والجزاء. فقال عز من قائل: ﴿مَنْ كَانَ
عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ
اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ ~[البقرة: 98].
اعتقاد فضلهم
على غيرهم من الناس، وأنه لا يبلغ منزلتهم أحد من الخلق مهما بلغ من الصلاح والتقوى، إذ الرسالة
اصطفاء من الله يختص الله بها من يشاء من خلقه، ولا تنال بالاجتهاد والعمل. قال
تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ ~[الحج: 75]. وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا
آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾
~[الأنعام: 83]. إلى أن قال بعد ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والمرسلين: ﴿وَكُلًّا
فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
كما دلت السنة أيضًا على أن منزلة الرسل لا
يبلغها أحد من الخلق لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: ((لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)).
اعتقاد تفاضلهم
فيما بينهم وأنهم ليسوا في درجة واحدة بل فضل الله بعضهم على بعض. قال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ
بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾. قال الطبري في تفسير الآية: (يقول تعالى ذكره: هؤلاء رسلي
فضلت بعضهم على بعض، فكلمت بعضهم كموسى صلى الله عليه وسلم، ورفعت بعضهم درجات على
بعض بالكرامة ورفعة المنزلة). فإنزال كل واحد منهم منزلته في الفضل والرفعة بحسب
دلالات النصوص من جملة حقوقهم على الأمة.
الصلاة والسلام
عليهم فقد أمر الله الناس بذلك وأخبر الله بإبقائه الثناء الحسن على رسله وتسليم الأمم عليهم من بعدهم. قال
تعالى عن نوح: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي
الْعَالَمِينَ﴾. وقال عن إبراهيم: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾. وقال عن موسى وهارون: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ
سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ .. قال ابن كثير: (قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى
نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ ~[الصافات: 79] مفسرًا لما أبقى عليه من الذكر الجميل
والثناء الحسن أنه يسلم عليه جميع الطوائف). وقد نقل الإمام النووي إجماع العلماء
على جواز الصلاة على سائر الأنبياء واستحبابها. قال: (أجمعوا على الصلاة على نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك أجمع من يعتد به على جوازها على سائر الأنبياء
والملائكة استقلالاً,
فهذه طائفة
مما يجب للرسل من حقوق على هذه الأمة مما دلت عليه النصوص وقرره أهل العلم.
بيان دعوة الرسل
جاءت الرسل
بمنهج متكامل لإصلاح الإنسان، ولإصلاح المجتمع الإنساني، ودين كهذا يقول الذين
جاؤوا به إنّه منزل من عند الله لا بدّ أن يكون في غاية الكمال، خالياً من النقائص
والعيوب، لا يتعارض مع فطرة الإنسان، وسنن الكون، وقد وجهنا القرآن إلى هذا النوع
من الاستدلال، فقال: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ
اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ ~[النساء: 82].
فكونه وحدة
متكاملة يصدق بعضه بعضاً، لا تناقض فيه ولا اختلاف.
(وقد سئل
أعرابيّ: بم عرفت أنّ محمداً رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته ينهى
عنه، ولا نهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به). وهذا الذي استدل به الأعرابي في
غاية الجودة، فإن الرسل جاءت من عند الله بعلوم وشرائع يعلم العاقل المنصف عند
التأمل فيها أنّه لا يمكن أن تكون آراء البشر ولا أفكارهم. والناظر في دعوة محمد
صلى الله عليه وسلم يكون مكابراً أعظم المكابرة إن لم يعتبر ولم يؤمن، فعليه
السلام جاء بهذا القرآن الذي عجزت الإنس والجنُّ عن الإتيان بمثله،
من ثمرات الإيمان بالرسل:
العلم
برحمة الله تعالى، وعنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام، للهداية
والإرشاد.
شكره
تعالى، على هذه النعمة الكبرى.
محبة
الرسل، وتوقيرهم، والثناء عليهم، بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى، وخلاصة
عبيده، قاموا لله بعبادته، وتبليغ رسالته، والنصح لعباده، والصبر على أذاهم.
اتباع
الرسالة التي جاءت بها الرسل، من عند الله ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له،
والعمل بها، فيتحقق للمؤمنين في حياتهم الخير والهداية والسعادة في الدارين .. قال
تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى • وَمَنْ أَعْرَضَ
عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكً} (طه:123- 124)