vendredi 17 mai 2019

ناصر عزيز- خطبة حديث جبريل عليه السلام



الإسلام الايمان الاحسان13 رمضان 1440
عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى
عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند
ركبته إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني
عن الإسلام " ، فقال له
: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه
سبيلا
، قال : " صدقت " ، فعجبنا له
يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال
: ( أن تؤمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره
، قال : " صدقت " ، قال : "
فأخبرني عن الإحسان " ، قال
: ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه
يراك
، قال : " فأخبرني عن الساعة " ،
قال
: ( ما المسؤول بأعلم من السائل، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ،
قال
: ( أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة
العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان
ثم انطلق فلبث مليا ، ثم
قال
: ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟
، قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم
دينكم
رواه مسلم .



الشرح
هذا
الحديث عظيم القدر ، كبير الشأن ، جامع لأبواب الدين كله ، بأبسط أسلوب ، وأوضح
عبارة ، ولا نجد وصفا جامعا لهذا الحديث أفضل من قوله صلى الله عليه وسلم

: (
فإنه
جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
) .
أسلوب
التعليم : في شكل سؤال وجواب مع انقلاب الأدوار أصبح الرسول تلميذا وجبريل يقيم
جوابه




وقد
تناول الحديث الذي بين أيدينا حقائق الدين الثلاث : الإسلام والإيمان والإحسان ،
وهذه المراتب الثلاث عظيمة جدا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى علق عليها السعادة
والشقاء في الدنيا والآخرة ، وبين هذه المراتب ارتباط وثيق ، فدائرة الإسلام أوسع
هذه الدوائر ، تليها دائرة الإيمان فالإحسان ، وبالتالي فإن كل محسن مؤمن ، وكل
مؤمن مسلم ، ومما سبق يتبيّن لك سر العتاب الرباني على أولئك الأعراب الذين ادّعوا
لأنفسهم مقام الإيمان ، وهو لم يتمكّن في قلوبهم بعد ، يقول الله في كتابه

: {
قالت
الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم

( الحجرات : 14 ) ، فدل هذا على أن الإيمان أخصّ وأضيق دائرةً من
الإسلام
.



وإذا
أردنا التعمّق في فهم المراتب السابقة ، فإننا نجد أن الإسلام : هو التعبد لله
سبحانه وتعالى بما شرع ، والاستسلام له بطاعته ظاهرا وباطنا ، وهو الدين الذي امتن
الله به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، وجعله دين البشرية كلها إلى
قيام الساعة ، ولا يقبل من أحد سواه ، وللإسلام أركان ستة كما جاء في الحديث ،
أولها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وفي الجمع بينهما في ركن
واحد إشارة لطيفة إلى أن العبادة لا تتم ولا تُقبل إلا بأمرين : الإخلاص لله تعالى
، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في قوله تعالى

: {
فمن
كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
}( الكهف : 110 ) .



والملاحظ
هنا أن الحديث فسّر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة ، وذلك لأن الإسلام والإيمان قد
اجتمعا في سياق واحد ، وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة كما أشرنا ، ويفسر
الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات وأعمال القلوب
.



أما
الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة : الإقرار بالقلب ، والنطق باللسان ، والعمل بالجوارح
والأركان ، فالإقرار بالقلب معناه أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن الله تعالى ، وعن
رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرع الحكيم ، ويسلّم به ويذعن له ، ولذلك امتدح
الله المؤمنين ووصفهم بقوله
: { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم
يرتابوا
( الحجرات : 15 ) ، ويقابل ذلك النفاق ،
فالمنافقون مسلمون في الظاهر ، يأتون بشعائر الدين مع المسلمين ، لكنهم يبطنون
الكفر والبغض للدين
.



والمقصود
بالنطق باللسان هو النطق بالشهادتين ، ولا يكفي مجرد الاعتراف بوجود الله ،
والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يتلفّظ بالشهادتين ، بدليل أن
المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ، كما قال عزوجل

: {
قل
من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت
ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله
( يونس : 31 ) ، ولكنهم امتنعوا عن قول كلمة
التوحيد ، واستكبروا
: { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون
( الصافات : 35 ) ،
ولهذا
كانت هذه الكلمة هي التي تعصم أموال الناس ، وتحقن دماءهم ، ففي الحديث الصحيح

: (
أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا
الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق
الإسلام ، وحسابهم على الله
متفق عليه ، وقد أجمع العلماء على أن من لم ينطق
الشهادتين بلسانه مع قدرته ، فإنه لا يُعتبر داخلاً في الإسلام
.



أما
العمل بمقتضى هذا الإيمان ، فهو قضية من أعظم القضايا التي غفل الناس عن فهمها ،
فالإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل ، والشريعة مليئة بالنصوص القاطعة الدالة
على ركنيّة العمل لصحّة الإيمان ، فقد قال تعالى
: { ويقولون آمنا بالله
وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين

( النور : 47 ) ولا شك أن ترك العمل بدين الله من أعظم التولي عن
طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم
.



وبهذا
يتبين لك ضلال من ابتعد عن نور الله ، وترك العمل بشريعته ، فإذا نصحته بصلاة أو
زكاة احتج لك بأن الإيمان في القلب ، ونسي أن العمل يصدق ذلك أو يكذبه - كما
قال الحسن البصري رحمه الله - ، إذ لو كان إيمانه صادقا لأورث العمل ،
وأثمر الفعل ،
وإذا
كان الإيمان متضمنا لتلك الأمور الثلاثة ، لزم أن يزيد وينقص ، وبيان ذلك : أن
الإقرار بالقلب يتفاوت من شخص لآخر ، ومن حالة إلى أخرى ، فلا شك أن يقين الصحابة
بربهم ليس كغيرهم ، بل الشخص الواحد قد تمرّ عليه لحظات من قوة اليقين بالله حتى
كأنه يرى الجنة والنار ، وقد تتخلله لحظات ضعف وفتور فيخفّ يقينه ، كما
قال حنظلة رضي الله عنه : " نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا " ، إذاً فإقرار
القلب متفاوت ، وكذلك الأقوال والأعمال ؛ فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره ، ومن
اجتهد في العبادة ، وداوم على الطاعة ، ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات
.



وأسباب
زيادة الإيمان كثيرة ، منها : معرفة أسماء الله وصفاته ؛ فإذا علم العبد صفة الله
" البصير " ابتعد عن معصية الله تعالى ، لأنه يستشعر مراقبة الله له ،
وإذا قرأ في كتاب الله قوله
: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع
الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير

اطمأن
قلبه ، ورضي بقضاء الله وقدره ، ومنها : كثرة ذكر الله تعالى ؛ لأنه غذاء القلوب ،
وقوت النفوس ، مصداقا لقوله تعالى
: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب( الرعد : 28 ) ، ومن أسباب زيادة الإيمان :
النظر في آيات الله في الكون ، والتأمل في خلقه ، كما قال تعالى

: {
وفي
الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون
( الذاريات : 20 - 21 ) ، ومنها : الاجتهاد
في العبادة، والإكثار من الأعمال الصالحة
.



ثم
تناول الحديث - الذي بين أيدينا - مرتبة الإحسان ، وهي أعلى مراتب الدين وأشرفها ،
فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم بالنصر ، قال عزوجل
: { إن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون
( النحل : 128 ) ، والمراد بالإحسان هنا قد
بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله
: ( أن تعبد الله كأنك تراه
، فإن لم تكن تراه فإنه يراك
، وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على
إخلاص صاحبها ، ودوام مراقبته لله عزوجل
.



ثم
سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها ، فبيّن النبي صلى الله عليه
وسلم أنها مما اختص الله بعلمه ، وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ،
لكنه بين شيئا من أماراتها ، فقال
: ( أن تلد الأمة ربتها، يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا ، وهذه
البنت تصبح سيدة تملك الإماء ، وهذا كناية عن كثرة الرقيق ، وقد حصل هذا في الصدر
الأول من العهد الإسلاميوهناك من فسره بتحكم البنتالمعاصرة في أمها فتلبي رغبتها
.
أما
العلامة الثانية
: ( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ،
يتطاولون في البنيان
، ومعناه أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل
للغنى ولا للتطاول ، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة ، والقصور
الباهرة ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا علما نافعا ، وعملا صالحا
متقبلا ، والحمد لله رب العالمين
.

حديث جبريل
عليه السلام





عن عمر رضي الله عنه قال
"بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل
شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى
جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه
قال يا محمد أخبرني على الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم
رمضان وتحج البيت إن استطعت إله سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال
فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن
بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن
لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة
رعاء الشاة يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري
من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتآكم يعلمكم دينكم" رواه
مسلم 


هذا الحديث عظيم الشأن
جدا يشتمل على شرح الدين كله ،ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخره
"هذا جبريل آتاكم يعلمكم دينكم بعد أن شرح درجة الإسلام ودرجة الإيمان ودرجة
الإحسان فجعل ذلك كله دينا.وقال النووي:"واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من
العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام
".



وفي الحديث مسائل :



الأولىدل الحديث على بعض آداب طالب العلم ، فمن ذلك ينبغي
لطالب العلم أن يحسن الجلوس بين يدي العالم على هيئة التواضع ، وأن لا يسيء الأدب
مع شيخه بقول أو فعل أو هيئة ويراعي مع ذلك التجمل وتحسين الثياب والنظافة عند
العلماء والفضلاء ، فإن جبريل عليه السلام أتى معلما للناس بحاله ومقاله ، ومما
يرشد إليه الطلاب أن يكون قوي النفس لا يستحي عن السؤال وطلب الحق قال أحد السلف
"لا ينال العلم مستحيي أو مستكبر
".



الثانيةأرشد الحديث إلى بعض آداب العالم مع تلاميذه، فينبغي
للعالم أن يتواضع ويحلم على السائل وإن تجاوز ما يجب عليه من التعظيم والتكريم ،
ومن آدابه أنه إذا سئل عن شيء لم يعلمه فليقل لا أعلم ولا ينقص ذلك من مكانته وقد
كان ذلك من هدي السلف ، كما يحسن به أن يكثر من إلقاء السؤال والجواب على الطالب
وهو أسلوب تعليمي نافع أكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم كقوله لمعاذ رضي الله عنه
"أتدري ما حق الله على العباد "وقوله لأصحابه "أتدرون من المفلس،
وكذلك يستحسن أن ينبه تلامذته على قواعد العلم وأصول المسائل طلبا لنفعهم
.



الثالثةقوله "الإسلام أن تشهد" الإسلام لغة:
الإنقياد والخضوع ، واصطلاحا:هو الإستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة
والبراءة من الشرك وأهله،وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال الجوارح
الظاهرة من القول والعمل ،وتنقسم الأعمال إلى عمل بدني كالصلاة والصوم ،وعمل مالي
كالزكاة ،وعمل مركب منهما كالحج .فالإسلام يشمل جميع الواجبات الظاهرة ،وإنما
اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر الأمور الخمسة لأنها الأصول التي يبنى
عليها ،ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم" المسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده"رواه مسلم. ويدخل أيضا في مسمى الإسلام ترك المحرمات
.

أما الإيمان فحده لغة:
التصديق ، واصطلاحا: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعات
وينقص بالعصيان .وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتقادات الباطنة ومذهب أهل
السنة والجماعة في الإيمان أنه قول وعمل ، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان
، فقد حكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم .وأنكر
السلف على من أخرج الأعمال من الإيمان إنكارا شديدا . وقد دل على دخوله قوله تعالى
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ ) . وفي الصحيحين : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا لله
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )
.



الرابعة
إذا
ذكر الإسلام أو الإيمان وحده في نصوص الشرع صار معناه عاما يشمل الأعمال الظاهر ة
والباطنة . كما في حديث وفد عبد القيس حيث فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان
حينما ورد مفردا بمعنى الدين الشامل للظاهر والباطن . وإذا ذكر الإسلام مقرونا
بالإيمان في النصوص صار لكل واحد منهما معنى خاص به ، فالإسلام بمعنى الأعمال
الظاهرة والإيمان بمعنى الأعمال الباطنة ، كما في حديث جبريل وبهذا التفصيل يظهر
تحقيق القول في مسالة الإسلام و الإيمان هل هما واحد أو مختلفان ، فالتحقيق أن
الإيمان هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه
وانقياده ، كما في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الإسلام علانية و
الإيمان في القلب) أخرجه أحمد، ولهذا قال العلماء كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن

.



الخامسة
دلت
النصوص على أن من كمل الإتيان بمباني الإسلام الخمس صار مسلما حقا أما من أقر
بالشهادتين صار مسلما حكما ، فإذا دخل في الإسلام بذلك ألزم بشرائع الإسلام
وفرائضه ، فإن امتنع عن فعل جميع الفرائض حكم بردته
.



السادسة
أركان
الإيمان ستة لا يصح الإيمان إلا بها جميعا فمن ترك ركنا منها بطل إيمانه
:

الأولالإيمان بالله وهو الإعتقاد الجازم بوجود الله
وربوبيته و ألوهيته وأسمائه وصفاته ووحدانية في ذلك ، أي بأنه لاشريك له في
ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه و صفاته ، قال الله تعالى (رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ
لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)
.



الثاني
الإيمان بالملائكة وهو الاعتقاد الجازم بوجودهم وأن
الله خلقهم من نور لعبادته وأنهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون
لايستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لايغترون ، ولهم وظائف
كثيرة فمنهم الموكلون بحمل العرش ومنهم الموكلون بالوحي ومنهم الموكلون بالجبال
ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد ومنهم الموكلون
بقبض أرواح المؤمنين ومنهم الموكلون بقبض أرواح الكافرين ومنهم الموكلون بسؤال
العبد في القبر ، وأفضلهم جبريل روح القدس عليه السلام وهم كثيرون لا يعلم عددهم
إلا الله لا يأكلون و لا يشربون ولا يتناسلون وخلقتهم عظيمة لهم أجنحة متباينون في
عددها وقد أعطاهم الله قوة يتمثلون ويتشكلون في غير صورهم التي خلقها الله عليها
وقد حجبهم الله عنا فلا نراهم في صورهم التي خلقوا عليها ولكن كشفهم لبعض عباده
كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق
.



الثالث
الإيمان
بالكتب وهو الإعتقاد الجازم بأن الله أنزل على رسله كتبا فيها أمره ونهيه ووعده
ووعيده وفيها نور وهدى (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير) أنزلها لأجل هداية الناس وإخراجهم من
الظلمات إلى النور وهي : القران والإنجيل والتوراة والزبور وصحف إبراهيم وموسى ،
وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن وأعظم الثلاثة وناسخها وأفضلها القران

.



الرابع
الإيمان
بالرسل وهو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلا مبشرين ومنذرين
لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور قال تعالى ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) وقال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ
أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ونؤمن بذلك
إجمالا لا نعلم عددهم كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ
مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) ونؤمن
بهم تفصيلا كما فصلهم الله في كتابه ، وأفضلهم الرسل ثم الأنبياء وأفضل الرسل
والأنبياء أولو العزم وهم خمسة : محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم
أجمعين وأفضلهم نبي الإسلام وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله الهاشمي
(وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) والإيمان بواحد منهم يستلزم
الإيمان بهم جميعا . والكفر بواحد منهم كفر بجميعهم لأن كل واحد منهم يدعو إلى
توحيد الله وطاعته قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ
بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ
سَبِيلًا)
.



الخامس
الإيمان
باليوم الآخر وهو الاعتقاد الجازم بيوم القيامة والإيمان بكل ما اخبر الله به
وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت وحتى يدخل أهل الجنة الجنة
وأهل النار النار فنؤمن بأمور الغيب بعد الموت من سكرات الموت وعالم البرزخ ونعيم
القبر وعذابه وفتنته وسؤال الملكين وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ونؤمن بيوم
القيامة الكبرى الذي يحيي الله فيه الموتى ويبعث العباد من قبورهم ثم يحاسبهم ،
وبالنفخ في الصور وهي ثلاث نفخات : نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث والنشور
فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس ومنهم من يلجمه العرق ،
وأول من يبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتنشر صحف الأعمال
فيكشف المخبوء ويظهر المستور ويحصل ما في الصدور ويكلم الله عباده ليس بينه وبينهم
ترجمان ويدعى الناس بأسمائهم وأسماء آبائهم ، ونؤمن بالميزان الذي له كفتان توزن
به أعمال العباد وأبدانهم وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو
من وراء ظهره ، ويردون على حوض النبي صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضا من اللبن
وأحلى من العسل وريحه أطيب من المسك وآنيته عدد نجوم السماء وطوله شهر وعرضه شهر
من شرب منه لم يظمأ منه أبدا ويحرم منه من ابتدع في الدين ، والصراط منصوب على متن
جهنم يتجاوزه الأبرار كل على حسب عمله ويزل عنه الفجار ، ثم من نجا من أهل الجنة
يحبسون على قنطرة دون الجنة يتقاص أهل الإيمان بعضهم من بعض ثم كل يرى سبيله إما
إلى جنة وإما إلى النار ، والجنة والنار مخلوقتان قبل الخلق لا تفنيان أبدا ،
والموت يؤتى به يوم القيامة على صورة كبش بين الجنة والنار فيذبح فيصير الخلق في
خلود لا فناء بعده ، ونؤمن بشفاعة نبينا وسائر النبيين والملائكة والشهداء
والصديقين والصالحين ، ويخرج الله خلقا بغير شفاعة بفضله ورحمته
.



السادسالإيمان بالقدر خيره وشره وهو الإعتقاد الجازم بأن
كل خير وشر بقضاء الله وقدره وأن الله تعالى فعال لما يريد فكل شي بإرادته ولا
يخرج عن مشيئته وتدبيره وعلم كل ما كان وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل
وقدر المقادير للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضت حكمته وعلم أحوال عباده وأرزاقهم
وآجالهم وأعمالهم ، وملخصه : هو ما سبق به العلم وجرى به القلم مما هو كائن إلى
الأبد قال تعالى (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ) وقال تعالى(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ) ومراتب القدر أربعة لا يتحقق إيمان العبد إلا بها
:

الأولى
العلم
وهي الإيمان بأن الله عالم بكل ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون جملة
وتفصيلا وأنه علم ما الخلق عاملون قبل خلقهم قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ)
.

الثانية
الكتابة
وهي الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ
وهو الكتاب الذي لم يفرط فيه من شي فكل ما جرى وما يجري إلى يوم القيامة مكتوب
عنده في أم الكتاب قال تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)
.

الثالثة
المشيئة
وهي الإيمان بأن كل شي يجري في هذا الكون فهو بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين
الحكمة والرحمة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فمشيئته نافذة وقدرته شاملة ما شاء
الله كان وما لم يشأ لم يكن لا يخرج عن إرادته شي قال تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
.

الرابعة
الخلق
وهي الإيمان بأن الله خالق كل شي لا خالق غيره ولا رب سواه وأن كل ما سواه مخلوق
فهو خالق كل عامل وعمله وكل متحرك وحركته قال تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) ، وأن كل ما يجري من خير وشر وكفر وإيمان وطاعة ومعصية
شاء الله وقدره وخلقه ، وأنه يحب الإيمان والطاعة ويكره الكفر والمعصية
.

والعباد لهم قدرة على
أفعالهم واختيار وإرادة لما يصدر منهم من طاعة ومعصية لكن مشيئتهم وإرادتهم تابعة
لمشيئة الله وإرادته خلافا للجبرية الذين يقولون إن العبد مجبر على أفعاله ليس له
إختيار وللقدرية الذين يقولون إن العبد له إرادة مستقلة وأنه يخلق فعله وأن إرادته
ومشيئته خارجة عن إرادة الله ومشيئته والحق ما عليه أهل السنة قال تعالى (لِمَنْ
شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ)
.



السابعةالإحسان من مراتب الدين وهو أخص من الإيمان والإسلام
، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يشتمل على مقامين
:

أحدهما: مقام المراقبة
وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه وإطلاعه عليه وقربه منه ، فإذا
استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله لأن استحضاره ذلك يمنعه من
الإلتفات لغير الله
.

الثاني: مقام المشاهدة
وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدته لله بقلبه فيتنور القلب بالإيمان وتنفذ
البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان ، وهذا هو حقيقة الإحسان ويتفاوت أهله
فيه بحسب بصائرهم
.

والإحسان يوجب الخشية
والخوف والهيبة والتعظيم ويوجب أيضا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها
وإتمامها وإكمالها
.



الثامنةينبغي على العبد أن يستحضر قرب الله ومعيته في
العبادة وقد ورد الندب إلى ذلك في السنة الصحيحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه أو ربه بينه وبين القبلة) متفق عليه ،
وقال صلى الله عليه وسلم للذين يرفعون أصواتهم بالذكر (إنكم لا تدعون أصما ولا
غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا) وفي رواية (وهو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق
عليه ، وقال بكر المزني "من مثلك يا بن آدم خلي بينك وبين المحراب والماء
كلما شئت دخلت على الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان" وقال مسلم بن يسار
"ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل" وقال غزوان
"إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي" ، وخطب عروة ابن الزبير
إلى ابن عمر ابنته وهما في الطواف فلم يجبه ثم لقيه بعد ذلك فاعتذر إليه وقال
" كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا" ، ومن وصل إلى هذه الحالة في
عبادته إستأنس بالله وفرح بلقاءه وانشغل قلبه بذكره واستغنى عن غيره

.



التاسعةأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم وقت حدوث
الساعة وهو مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحد ففي صحيح البخاري عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ) ثم قرأ
هذه الآية (إن الله عنده علم الساعة) الآية. وقد ذكر في هذا الحديث علامتين من
علامات الساعة وكلتاهما وقعت
:

الأولى: "
أن تلد الأمة ربتها
" والمراد سيدتها ومالكتها ، وفسر ذلك بأحد معنيين
:

(1) 
أن
يكثر جلب الرقيق حتى تجلب البنت فتعتق ثم تجلب الأم فتشتريها البنت وتستخدمها
جاهلة بأنها أمها وقد وقع هذا في الإسلام ، وفيه كناية إلى انتشار الإسلام وكثرة
الفتوح وجلب الرقيق
.

(2) 
وقيل
يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من حيث السب والضرب
والإستخدام والإستهانة
.

الثانية: "أن ترى الحفاة العراة العالة 00" والمراد أن
أسافل الناس يصيرون رؤسائهم وتكثر أموالهم حتى يتباهوا بطول البنيان وزخرفته وفي
ذلك انقلاب الموازين وفساد نظام الدين والدنيا ، فقد أخرج أحمد من حديث أنس عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ( بين يدي الساعة سنون خداعة يتهم فيها الأمين ويؤتمن فيها
المتهم وينطق فيها الروبيضة قالوا وما الروبيضة قال السفيه ينطق في أمر العامة )
.



العاشرةفي الحديث إشارة إلى كراهة ما لا تدعو الحاجة إليه
من رفع البناء وتزويقه وغيره من فضول المباح في كل شيء ، ولم يكن إطالة البنيان
معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل كان بنيانهم على قدر الحاجة ،
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى
يتطاول الناس في البنيان ) ، وكلما ابتعد الناس عن هدي النبي وروح الإسلام حصل
منهم توسع في المعمار ومبالغة في زخرفة المباني وبذل الأموال العظيمة في سفاسف
الأمور ،

  

ناصر عزيز- خطبة حديث جبريل عليه السلام



الإسلام الايمان الاحسان13 رمضان 1440
عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى
عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند
ركبته إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني
عن الإسلام " ، فقال له
: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه
سبيلا
، قال : " صدقت " ، فعجبنا له
يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال
: ( أن تؤمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره
، قال : " صدقت " ، قال : "
فأخبرني عن الإحسان " ، قال
: ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه
يراك
، قال : " فأخبرني عن الساعة " ،
قال
: ( ما المسؤول بأعلم من السائل، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ،
قال
: ( أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة
العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان
ثم انطلق فلبث مليا ، ثم
قال
: ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟
، قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم
دينكم
رواه مسلم .



الشرح
هذا
الحديث عظيم القدر ، كبير الشأن ، جامع لأبواب الدين كله ، بأبسط أسلوب ، وأوضح
عبارة ، ولا نجد وصفا جامعا لهذا الحديث أفضل من قوله صلى الله عليه وسلم

: (
فإنه
جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
) .
أسلوب
التعليم : في شكل سؤال وجواب مع انقلاب الأدوار أصبح الرسول تلميذا وجبريل يقيم
جوابه




وقد
تناول الحديث الذي بين أيدينا حقائق الدين الثلاث : الإسلام والإيمان والإحسان ،
وهذه المراتب الثلاث عظيمة جدا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى علق عليها السعادة
والشقاء في الدنيا والآخرة ، وبين هذه المراتب ارتباط وثيق ، فدائرة الإسلام أوسع
هذه الدوائر ، تليها دائرة الإيمان فالإحسان ، وبالتالي فإن كل محسن مؤمن ، وكل
مؤمن مسلم ، ومما سبق يتبيّن لك سر العتاب الرباني على أولئك الأعراب الذين ادّعوا
لأنفسهم مقام الإيمان ، وهو لم يتمكّن في قلوبهم بعد ، يقول الله في كتابه

: {
قالت
الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم

( الحجرات : 14 ) ، فدل هذا على أن الإيمان أخصّ وأضيق دائرةً من
الإسلام
.



وإذا
أردنا التعمّق في فهم المراتب السابقة ، فإننا نجد أن الإسلام : هو التعبد لله
سبحانه وتعالى بما شرع ، والاستسلام له بطاعته ظاهرا وباطنا ، وهو الدين الذي امتن
الله به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، وجعله دين البشرية كلها إلى
قيام الساعة ، ولا يقبل من أحد سواه ، وللإسلام أركان ستة كما جاء في الحديث ،
أولها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وفي الجمع بينهما في ركن
واحد إشارة لطيفة إلى أن العبادة لا تتم ولا تُقبل إلا بأمرين : الإخلاص لله تعالى
، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في قوله تعالى

: {
فمن
كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
}( الكهف : 110 ) .



والملاحظ
هنا أن الحديث فسّر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة ، وذلك لأن الإسلام والإيمان قد
اجتمعا في سياق واحد ، وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة كما أشرنا ، ويفسر
الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات وأعمال القلوب
.



أما
الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة : الإقرار بالقلب ، والنطق باللسان ، والعمل بالجوارح
والأركان ، فالإقرار بالقلب معناه أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن الله تعالى ، وعن
رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرع الحكيم ، ويسلّم به ويذعن له ، ولذلك امتدح
الله المؤمنين ووصفهم بقوله
: { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم
يرتابوا
( الحجرات : 15 ) ، ويقابل ذلك النفاق ،
فالمنافقون مسلمون في الظاهر ، يأتون بشعائر الدين مع المسلمين ، لكنهم يبطنون
الكفر والبغض للدين
.



والمقصود
بالنطق باللسان هو النطق بالشهادتين ، ولا يكفي مجرد الاعتراف بوجود الله ،
والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يتلفّظ بالشهادتين ، بدليل أن
المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ، كما قال عزوجل

: {
قل
من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت
ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله
( يونس : 31 ) ، ولكنهم امتنعوا عن قول كلمة
التوحيد ، واستكبروا
: { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون
( الصافات : 35 ) ،
ولهذا
كانت هذه الكلمة هي التي تعصم أموال الناس ، وتحقن دماءهم ، ففي الحديث الصحيح

: (
أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا
الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق
الإسلام ، وحسابهم على الله
متفق عليه ، وقد أجمع العلماء على أن من لم ينطق
الشهادتين بلسانه مع قدرته ، فإنه لا يُعتبر داخلاً في الإسلام
.



أما
العمل بمقتضى هذا الإيمان ، فهو قضية من أعظم القضايا التي غفل الناس عن فهمها ،
فالإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل ، والشريعة مليئة بالنصوص القاطعة الدالة
على ركنيّة العمل لصحّة الإيمان ، فقد قال تعالى
: { ويقولون آمنا بالله
وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين

( النور : 47 ) ولا شك أن ترك العمل بدين الله من أعظم التولي عن
طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم
.



وبهذا
يتبين لك ضلال من ابتعد عن نور الله ، وترك العمل بشريعته ، فإذا نصحته بصلاة أو
زكاة احتج لك بأن الإيمان في القلب ، ونسي أن العمل يصدق ذلك أو يكذبه - كما
قال الحسن البصري رحمه الله - ، إذ لو كان إيمانه صادقا لأورث العمل ،
وأثمر الفعل ،
وإذا
كان الإيمان متضمنا لتلك الأمور الثلاثة ، لزم أن يزيد وينقص ، وبيان ذلك : أن
الإقرار بالقلب يتفاوت من شخص لآخر ، ومن حالة إلى أخرى ، فلا شك أن يقين الصحابة
بربهم ليس كغيرهم ، بل الشخص الواحد قد تمرّ عليه لحظات من قوة اليقين بالله حتى
كأنه يرى الجنة والنار ، وقد تتخلله لحظات ضعف وفتور فيخفّ يقينه ، كما
قال حنظلة رضي الله عنه : " نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا " ، إذاً فإقرار
القلب متفاوت ، وكذلك الأقوال والأعمال ؛ فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره ، ومن
اجتهد في العبادة ، وداوم على الطاعة ، ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات
.



وأسباب
زيادة الإيمان كثيرة ، منها : معرفة أسماء الله وصفاته ؛ فإذا علم العبد صفة الله
" البصير " ابتعد عن معصية الله تعالى ، لأنه يستشعر مراقبة الله له ،
وإذا قرأ في كتاب الله قوله
: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع
الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير

اطمأن
قلبه ، ورضي بقضاء الله وقدره ، ومنها : كثرة ذكر الله تعالى ؛ لأنه غذاء القلوب ،
وقوت النفوس ، مصداقا لقوله تعالى
: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب( الرعد : 28 ) ، ومن أسباب زيادة الإيمان :
النظر في آيات الله في الكون ، والتأمل في خلقه ، كما قال تعالى

: {
وفي
الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون
( الذاريات : 20 - 21 ) ، ومنها : الاجتهاد
في العبادة، والإكثار من الأعمال الصالحة
.



ثم
تناول الحديث - الذي بين أيدينا - مرتبة الإحسان ، وهي أعلى مراتب الدين وأشرفها ،
فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم بالنصر ، قال عزوجل
: { إن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون
( النحل : 128 ) ، والمراد بالإحسان هنا قد
بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله
: ( أن تعبد الله كأنك تراه
، فإن لم تكن تراه فإنه يراك
، وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على
إخلاص صاحبها ، ودوام مراقبته لله عزوجل
.



ثم
سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها ، فبيّن النبي صلى الله عليه
وسلم أنها مما اختص الله بعلمه ، وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ،
لكنه بين شيئا من أماراتها ، فقال
: ( أن تلد الأمة ربتها، يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا ، وهذه
البنت تصبح سيدة تملك الإماء ، وهذا كناية عن كثرة الرقيق ، وقد حصل هذا في الصدر
الأول من العهد الإسلاميوهناك من فسره بتحكم البنتالمعاصرة في أمها فتلبي رغبتها
.
أما
العلامة الثانية
: ( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ،
يتطاولون في البنيان
، ومعناه أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل
للغنى ولا للتطاول ، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة ، والقصور
الباهرة ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا علما نافعا ، وعملا صالحا
متقبلا ، والحمد لله رب العالمين
.

حديث جبريل
عليه السلام





عن عمر رضي الله عنه قال
"بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل
شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى
جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه
قال يا محمد أخبرني على الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم
رمضان وتحج البيت إن استطعت إله سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال
فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن
بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن
لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة
رعاء الشاة يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري
من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتآكم يعلمكم دينكم" رواه
مسلم 


هذا الحديث عظيم الشأن
جدا يشتمل على شرح الدين كله ،ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخره
"هذا جبريل آتاكم يعلمكم دينكم بعد أن شرح درجة الإسلام ودرجة الإيمان ودرجة
الإحسان فجعل ذلك كله دينا.وقال النووي:"واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من
العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام
".



وفي الحديث مسائل :



الأولىدل الحديث على بعض آداب طالب العلم ، فمن ذلك ينبغي
لطالب العلم أن يحسن الجلوس بين يدي العالم على هيئة التواضع ، وأن لا يسيء الأدب
مع شيخه بقول أو فعل أو هيئة ويراعي مع ذلك التجمل وتحسين الثياب والنظافة عند
العلماء والفضلاء ، فإن جبريل عليه السلام أتى معلما للناس بحاله ومقاله ، ومما
يرشد إليه الطلاب أن يكون قوي النفس لا يستحي عن السؤال وطلب الحق قال أحد السلف
"لا ينال العلم مستحيي أو مستكبر
".



الثانيةأرشد الحديث إلى بعض آداب العالم مع تلاميذه، فينبغي
للعالم أن يتواضع ويحلم على السائل وإن تجاوز ما يجب عليه من التعظيم والتكريم ،
ومن آدابه أنه إذا سئل عن شيء لم يعلمه فليقل لا أعلم ولا ينقص ذلك من مكانته وقد
كان ذلك من هدي السلف ، كما يحسن به أن يكثر من إلقاء السؤال والجواب على الطالب
وهو أسلوب تعليمي نافع أكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم كقوله لمعاذ رضي الله عنه
"أتدري ما حق الله على العباد "وقوله لأصحابه "أتدرون من المفلس،
وكذلك يستحسن أن ينبه تلامذته على قواعد العلم وأصول المسائل طلبا لنفعهم
.



الثالثةقوله "الإسلام أن تشهد" الإسلام لغة:
الإنقياد والخضوع ، واصطلاحا:هو الإستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة
والبراءة من الشرك وأهله،وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال الجوارح
الظاهرة من القول والعمل ،وتنقسم الأعمال إلى عمل بدني كالصلاة والصوم ،وعمل مالي
كالزكاة ،وعمل مركب منهما كالحج .فالإسلام يشمل جميع الواجبات الظاهرة ،وإنما
اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر الأمور الخمسة لأنها الأصول التي يبنى
عليها ،ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم" المسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده"رواه مسلم. ويدخل أيضا في مسمى الإسلام ترك المحرمات
.

أما الإيمان فحده لغة:
التصديق ، واصطلاحا: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعات
وينقص بالعصيان .وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتقادات الباطنة ومذهب أهل
السنة والجماعة في الإيمان أنه قول وعمل ، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان
، فقد حكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم .وأنكر
السلف على من أخرج الأعمال من الإيمان إنكارا شديدا . وقد دل على دخوله قوله تعالى
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ ) . وفي الصحيحين : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا لله
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )
.



الرابعة
إذا
ذكر الإسلام أو الإيمان وحده في نصوص الشرع صار معناه عاما يشمل الأعمال الظاهر ة
والباطنة . كما في حديث وفد عبد القيس حيث فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان
حينما ورد مفردا بمعنى الدين الشامل للظاهر والباطن . وإذا ذكر الإسلام مقرونا
بالإيمان في النصوص صار لكل واحد منهما معنى خاص به ، فالإسلام بمعنى الأعمال
الظاهرة والإيمان بمعنى الأعمال الباطنة ، كما في حديث جبريل وبهذا التفصيل يظهر
تحقيق القول في مسالة الإسلام و الإيمان هل هما واحد أو مختلفان ، فالتحقيق أن
الإيمان هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه
وانقياده ، كما في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الإسلام علانية و
الإيمان في القلب) أخرجه أحمد، ولهذا قال العلماء كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن

.



الخامسة
دلت
النصوص على أن من كمل الإتيان بمباني الإسلام الخمس صار مسلما حقا أما من أقر
بالشهادتين صار مسلما حكما ، فإذا دخل في الإسلام بذلك ألزم بشرائع الإسلام
وفرائضه ، فإن امتنع عن فعل جميع الفرائض حكم بردته
.



السادسة
أركان
الإيمان ستة لا يصح الإيمان إلا بها جميعا فمن ترك ركنا منها بطل إيمانه
:

الأولالإيمان بالله وهو الإعتقاد الجازم بوجود الله
وربوبيته و ألوهيته وأسمائه وصفاته ووحدانية في ذلك ، أي بأنه لاشريك له في
ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه و صفاته ، قال الله تعالى (رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ
لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)
.



الثاني
الإيمان بالملائكة وهو الاعتقاد الجازم بوجودهم وأن
الله خلقهم من نور لعبادته وأنهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون
لايستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لايغترون ، ولهم وظائف
كثيرة فمنهم الموكلون بحمل العرش ومنهم الموكلون بالوحي ومنهم الموكلون بالجبال
ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد ومنهم الموكلون
بقبض أرواح المؤمنين ومنهم الموكلون بقبض أرواح الكافرين ومنهم الموكلون بسؤال
العبد في القبر ، وأفضلهم جبريل روح القدس عليه السلام وهم كثيرون لا يعلم عددهم
إلا الله لا يأكلون و لا يشربون ولا يتناسلون وخلقتهم عظيمة لهم أجنحة متباينون في
عددها وقد أعطاهم الله قوة يتمثلون ويتشكلون في غير صورهم التي خلقها الله عليها
وقد حجبهم الله عنا فلا نراهم في صورهم التي خلقوا عليها ولكن كشفهم لبعض عباده
كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق
.



الثالث
الإيمان
بالكتب وهو الإعتقاد الجازم بأن الله أنزل على رسله كتبا فيها أمره ونهيه ووعده
ووعيده وفيها نور وهدى (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير) أنزلها لأجل هداية الناس وإخراجهم من
الظلمات إلى النور وهي : القران والإنجيل والتوراة والزبور وصحف إبراهيم وموسى ،
وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن وأعظم الثلاثة وناسخها وأفضلها القران

.



الرابع
الإيمان
بالرسل وهو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلا مبشرين ومنذرين
لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور قال تعالى ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) وقال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ
أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ونؤمن بذلك
إجمالا لا نعلم عددهم كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ
مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) ونؤمن
بهم تفصيلا كما فصلهم الله في كتابه ، وأفضلهم الرسل ثم الأنبياء وأفضل الرسل
والأنبياء أولو العزم وهم خمسة : محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم
أجمعين وأفضلهم نبي الإسلام وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله الهاشمي
(وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) والإيمان بواحد منهم يستلزم
الإيمان بهم جميعا . والكفر بواحد منهم كفر بجميعهم لأن كل واحد منهم يدعو إلى
توحيد الله وطاعته قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ
بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ
سَبِيلًا)
.



الخامس
الإيمان
باليوم الآخر وهو الاعتقاد الجازم بيوم القيامة والإيمان بكل ما اخبر الله به
وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت وحتى يدخل أهل الجنة الجنة
وأهل النار النار فنؤمن بأمور الغيب بعد الموت من سكرات الموت وعالم البرزخ ونعيم
القبر وعذابه وفتنته وسؤال الملكين وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ونؤمن بيوم
القيامة الكبرى الذي يحيي الله فيه الموتى ويبعث العباد من قبورهم ثم يحاسبهم ،
وبالنفخ في الصور وهي ثلاث نفخات : نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث والنشور
فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس ومنهم من يلجمه العرق ،
وأول من يبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتنشر صحف الأعمال
فيكشف المخبوء ويظهر المستور ويحصل ما في الصدور ويكلم الله عباده ليس بينه وبينهم
ترجمان ويدعى الناس بأسمائهم وأسماء آبائهم ، ونؤمن بالميزان الذي له كفتان توزن
به أعمال العباد وأبدانهم وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو
من وراء ظهره ، ويردون على حوض النبي صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضا من اللبن
وأحلى من العسل وريحه أطيب من المسك وآنيته عدد نجوم السماء وطوله شهر وعرضه شهر
من شرب منه لم يظمأ منه أبدا ويحرم منه من ابتدع في الدين ، والصراط منصوب على متن
جهنم يتجاوزه الأبرار كل على حسب عمله ويزل عنه الفجار ، ثم من نجا من أهل الجنة
يحبسون على قنطرة دون الجنة يتقاص أهل الإيمان بعضهم من بعض ثم كل يرى سبيله إما
إلى جنة وإما إلى النار ، والجنة والنار مخلوقتان قبل الخلق لا تفنيان أبدا ،
والموت يؤتى به يوم القيامة على صورة كبش بين الجنة والنار فيذبح فيصير الخلق في
خلود لا فناء بعده ، ونؤمن بشفاعة نبينا وسائر النبيين والملائكة والشهداء
والصديقين والصالحين ، ويخرج الله خلقا بغير شفاعة بفضله ورحمته
.



السادسالإيمان بالقدر خيره وشره وهو الإعتقاد الجازم بأن
كل خير وشر بقضاء الله وقدره وأن الله تعالى فعال لما يريد فكل شي بإرادته ولا
يخرج عن مشيئته وتدبيره وعلم كل ما كان وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل
وقدر المقادير للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضت حكمته وعلم أحوال عباده وأرزاقهم
وآجالهم وأعمالهم ، وملخصه : هو ما سبق به العلم وجرى به القلم مما هو كائن إلى
الأبد قال تعالى (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ) وقال تعالى(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ) ومراتب القدر أربعة لا يتحقق إيمان العبد إلا بها
:

الأولى
العلم
وهي الإيمان بأن الله عالم بكل ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون جملة
وتفصيلا وأنه علم ما الخلق عاملون قبل خلقهم قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ)
.

الثانية
الكتابة
وهي الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ
وهو الكتاب الذي لم يفرط فيه من شي فكل ما جرى وما يجري إلى يوم القيامة مكتوب
عنده في أم الكتاب قال تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)
.

الثالثة
المشيئة
وهي الإيمان بأن كل شي يجري في هذا الكون فهو بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين
الحكمة والرحمة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فمشيئته نافذة وقدرته شاملة ما شاء
الله كان وما لم يشأ لم يكن لا يخرج عن إرادته شي قال تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
.

الرابعة
الخلق
وهي الإيمان بأن الله خالق كل شي لا خالق غيره ولا رب سواه وأن كل ما سواه مخلوق
فهو خالق كل عامل وعمله وكل متحرك وحركته قال تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) ، وأن كل ما يجري من خير وشر وكفر وإيمان وطاعة ومعصية
شاء الله وقدره وخلقه ، وأنه يحب الإيمان والطاعة ويكره الكفر والمعصية
.

والعباد لهم قدرة على
أفعالهم واختيار وإرادة لما يصدر منهم من طاعة ومعصية لكن مشيئتهم وإرادتهم تابعة
لمشيئة الله وإرادته خلافا للجبرية الذين يقولون إن العبد مجبر على أفعاله ليس له
إختيار وللقدرية الذين يقولون إن العبد له إرادة مستقلة وأنه يخلق فعله وأن إرادته
ومشيئته خارجة عن إرادة الله ومشيئته والحق ما عليه أهل السنة قال تعالى (لِمَنْ
شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ)
.



السابعةالإحسان من مراتب الدين وهو أخص من الإيمان والإسلام
، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يشتمل على مقامين
:

أحدهما: مقام المراقبة
وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه وإطلاعه عليه وقربه منه ، فإذا
استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله لأن استحضاره ذلك يمنعه من
الإلتفات لغير الله
.

الثاني: مقام المشاهدة
وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدته لله بقلبه فيتنور القلب بالإيمان وتنفذ
البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان ، وهذا هو حقيقة الإحسان ويتفاوت أهله
فيه بحسب بصائرهم
.

والإحسان يوجب الخشية
والخوف والهيبة والتعظيم ويوجب أيضا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها
وإتمامها وإكمالها
.



الثامنةينبغي على العبد أن يستحضر قرب الله ومعيته في
العبادة وقد ورد الندب إلى ذلك في السنة الصحيحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه أو ربه بينه وبين القبلة) متفق عليه ،
وقال صلى الله عليه وسلم للذين يرفعون أصواتهم بالذكر (إنكم لا تدعون أصما ولا
غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا) وفي رواية (وهو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق
عليه ، وقال بكر المزني "من مثلك يا بن آدم خلي بينك وبين المحراب والماء
كلما شئت دخلت على الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان" وقال مسلم بن يسار
"ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل" وقال غزوان
"إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي" ، وخطب عروة ابن الزبير
إلى ابن عمر ابنته وهما في الطواف فلم يجبه ثم لقيه بعد ذلك فاعتذر إليه وقال
" كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا" ، ومن وصل إلى هذه الحالة في
عبادته إستأنس بالله وفرح بلقاءه وانشغل قلبه بذكره واستغنى عن غيره

.



التاسعةأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم وقت حدوث
الساعة وهو مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحد ففي صحيح البخاري عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ) ثم قرأ
هذه الآية (إن الله عنده علم الساعة) الآية. وقد ذكر في هذا الحديث علامتين من
علامات الساعة وكلتاهما وقعت
:

الأولى: "
أن تلد الأمة ربتها
" والمراد سيدتها ومالكتها ، وفسر ذلك بأحد معنيين
:

(1) 
أن
يكثر جلب الرقيق حتى تجلب البنت فتعتق ثم تجلب الأم فتشتريها البنت وتستخدمها
جاهلة بأنها أمها وقد وقع هذا في الإسلام ، وفيه كناية إلى انتشار الإسلام وكثرة
الفتوح وجلب الرقيق
.

(2) 
وقيل
يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من حيث السب والضرب
والإستخدام والإستهانة
.

الثانية: "أن ترى الحفاة العراة العالة 00" والمراد أن
أسافل الناس يصيرون رؤسائهم وتكثر أموالهم حتى يتباهوا بطول البنيان وزخرفته وفي
ذلك انقلاب الموازين وفساد نظام الدين والدنيا ، فقد أخرج أحمد من حديث أنس عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ( بين يدي الساعة سنون خداعة يتهم فيها الأمين ويؤتمن فيها
المتهم وينطق فيها الروبيضة قالوا وما الروبيضة قال السفيه ينطق في أمر العامة )
.



العاشرةفي الحديث إشارة إلى كراهة ما لا تدعو الحاجة إليه
من رفع البناء وتزويقه وغيره من فضول المباح في كل شيء ، ولم يكن إطالة البنيان
معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل كان بنيانهم على قدر الحاجة ،
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى
يتطاول الناس في البنيان ) ، وكلما ابتعد الناس عن هدي النبي وروح الإسلام حصل
منهم توسع في المعمار ومبالغة في زخرفة المباني وبذل الأموال العظيمة في سفاسف
الأمور ،