محمّـد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونجاح المسلمين
في أول معركة إعلامية ضد قريش خارج الوطن
إن الحمد لله
نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم البعث
والنشور وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد ...فاتقوا الله تعالى وراقبوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه " يا أيها
الذين
آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ." "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب "
آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ." "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب "
أيها المسلمون :إنّ أكبر
نعمة على الإطلاق امتنّ الله تعالى بها على المؤمنين هي أن بعث محمّدا صلّى الله
عليه وسلّم إليهم نبيّا ورسولا قال تعالى : "لقد من الله على
المؤمنين إذ بعث فيهم
رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من
قبل لفي ضلال مبين " آل عمران 164
آمن به من قد آمن ، وكفر به من كفر ، وبين هؤلاء وأولئك أصناف من النّاس هم على درجات بين متبع ومبتدع وحاقد وحاسد ومبغض ومكذّب ومستهزئ ...... ولكنّ نبيّ الهدى أرقى وأسمى من أن تطاله الأيدي أو تلوكه الألسن أو تحطّ من قدره الشّريف الإعلانات المارقة الفاسقة... نحن المقصّرون في حقّ الإسلام وفي حقّ صاحب الرّسالة ،إذ لم نعرّف به العالم من خلالنا، وقدّمنا صورة رديئة من خلال تصرّفاتنا المنحرفة عن جادّة الإسلام ، من خلال تكاسلنا وتخاذلنا وتبعيّتنا ومذلّتنا وتخلّفنا عن ركب التقدّم والرقيّ...مسلمو اليوم ينقصهم الإعلام رغم كثرة قنواتنا وجرائدنا هذا السلاح الفتاك الذي لا نتقنه
آمن به من قد آمن ، وكفر به من كفر ، وبين هؤلاء وأولئك أصناف من النّاس هم على درجات بين متبع ومبتدع وحاقد وحاسد ومبغض ومكذّب ومستهزئ ...... ولكنّ نبيّ الهدى أرقى وأسمى من أن تطاله الأيدي أو تلوكه الألسن أو تحطّ من قدره الشّريف الإعلانات المارقة الفاسقة... نحن المقصّرون في حقّ الإسلام وفي حقّ صاحب الرّسالة ،إذ لم نعرّف به العالم من خلالنا، وقدّمنا صورة رديئة من خلال تصرّفاتنا المنحرفة عن جادّة الإسلام ، من خلال تكاسلنا وتخاذلنا وتبعيّتنا ومذلّتنا وتخلّفنا عن ركب التقدّم والرقيّ...مسلمو اليوم ينقصهم الإعلام رغم كثرة قنواتنا وجرائدنا هذا السلاح الفتاك الذي لا نتقنه
سأتلو عليكم شهادة أحد أبناء عصررسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي سفير اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبرز
بوضوح النقلة النوعية التي أحدثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجتمعه ونشرها
في العالم .
صورتان متناقضتان صورة مجتمع قبل البعثة وصورة مجتمع
أنشأه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة رغم أنف الأعداء وأصحاب المصالح
والفاسدين:
هذه الشهادة لسفير المسلمين سيدنا جعفر ابن أبي طالب قدمها لملك الحبشة النجاشي
يوم فر المسلمون من مكة إلى الحبشة فارين بعقيدتهم تاركين كل ما يملكون فالعقيدة
أغلى وأرقى ما يملك المؤمن يضحي من أجلها بالروح والمال والأصحاب وكل ما يملك
حفاظا على لا إلاه إلا الله حية ناصعة تهز كيانه وتملأ مشاعره
خطاب جعفر بن أبي طالب وقوة الحق
في ثبات وثقة عالية تقدم جعفر بن أبي طالب وألقى
خطابًا جليلاً مهيبًا، إن دل على شيء فإنما هو الحق وقد أجراه الله على لسانه. وفي
خطابه قَسّم جعفر بن أبي طالب كلماته إلى مقاطع عدة، يحمل كل مقطع منها
معنى معين، ويصل به إلى هدف خاص.
المقطع الأول: جعفر بن أبي طالب يقبح صور
الجاهلية
"أيها الملك،
كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام،
ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف".
فقد بدأ جعفر بن أبي طالب بتقبيح الحالة التي
كانوا عليها قبل الإسلام، وتصوريها بصورة تأنف منها النفوس الكريمة، وتأباها
العقول السليمة، وهو بهذا يرسل إشارة واضحة أيضًا تتضمن أن هذين الرسولين (عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة) ما زالا على هذه الصورة الخبيثة
وتلك الأخلاق الفاسدة.
ونلاحظ أيضًا أن كل
مساوئ الجاهلية التي صورها جعفر لا تبعد كثيرًا عن صفة الظلم؛ فكان هناك إما ظلم
مع النفس وذلك بعبادة الأصنام {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:
13]، أو ظلم مع الرحم بقطع الأرحام، أو ظلم مع
الجار بالإساءة إليه، أو ظلم مع الضعيف بأكل حقه.
ولنتخيل مثل هذه
الصور من الظلم وهي تعرض على ملك عادل لا يُظلم عنده أحد، فكان تصدير جعفر بن أبي
طالب بذكر مساوئ الجاهلية -ولا شك- قد ترك أثرًا عظيمًا في قلب النجاشي، بل في قلب
أساقفته، فكان هذا المقطع من كلام جعفر سهمًا قد أُطلق في مقتل لقريش
ووفدها.
المقطع الثاني
قال جعفر: "فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً
نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه".
وهنا يشير جعفر إلى أن الذي جاء بهذا الدين الجديد
والمخالف لما هم عليه جميعًا ليس رجلاً أفَّاكًا كذّابًا يريد خداع الناس من أجل
مصلحة ما، بل هو صادق أمين، وطاهر عفيف، ومن أعرق أنسابنا، وقد جاء بالحق الواضح.
وإزاء هذه النعوت لم
يستطع عمرو بن العاص ولا عبد الله بن أبي ربيعة أن يردّا بكلمة واحدة؛ فقد كان
رسول الله فوق كل شبهة، هذا إضافةً إلى أن النصارى يؤمنون بالرسل بصفة
عامة، فما أكثر الرسل التي تحدثت عنها التوراة والإنجيل.
المقطع الثالث: جعفر بن أبي طالب يمجد من صور الإسلام
وهذا المقطع في غاية
في الروعة، فبعد أن عرض لصورة الجاهلية الحقيقية، أخذ في عرض الصورة المقابلة لها
وهي صورة الإسلام، التي جاء بها هذا الرجل الصادق الأمين ، فقال جعفر بن أبي
طالب:
"فدعانا إلى
الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان،
وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم
والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا
أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام". تقول
السيدة أم
سلمة رضي الله عنها -وهي راوية القصة-: "فعدَّد عليه أمورَ الإسلام".
وفي ذلك التصوير لم يكذب جعفر ولم يتجمل،
وإنما هي الحقيقة، فالباطل بطبيعته قبيح مقيت كريه، والإسلام بطبيعته حسن جميل
محبوب، فقط عليك أن تعرض الصورة بوضوح، وستختار الفطرة السليمة دين ربها.
المقطع الرابع: جعفر بن أبي طالب يكيد من
الكافرين
وهو غاية في الذكاء
والتوفيق، قال جعفر: "فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا
الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا".
ثم أتبع ذلك فقال:
"فعدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من
عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث".
وهنا يبرز جعفر بن أبي طالب الدور القبيح
للكافرين، وكان منهم آنذاك عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، ولا شك أن
موقفهما أصبح ضعيفًا جدًّا، ولا ننسى هنا أن صور التعذيب والابتلاء تستهوي قلوب
النصارى كثيرًا؛ فهي تذكرهم بالحواريين الذين عُذِّبوا من قبل، وبالذين كانوا يفتنونهم
عن دينهم بأبشع الأساليب، بل تذكرهم بصورة المسيح عليه السلام.
وهكذا سيطر جعفر تمامًا على مشاعر النجاشي، بل وعلى
مشاعر الأساقفة من حوله، وقد ختم بيانه هذا بمقطع سياسي حكيم قال فيه:
"فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك،
واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك".
وهنا -وفي صدقٍ تام
وفي غير نفاق ولا كذب- يرفع جعفر من شأن النجاشي، فيذكر أفضليته على من سواه في
مثل مكانه، ويرفع من قيمة العدل عنده، وهو بذلك يكسب قلبه، فيلين جانبه وتهدأ
نفسه؛ فلا يتسرع بحكم، ولا يجور في قضاء.
انتهى البيان المختصر من سفير المسلمين وقائد المهاجرين
جعفر بن أبي طالب ، وكانت النتيجة هي خمسة سهام قوية في صدور الكافرين،
وسكون -إلى حد كبير- في جوارح الأساقفة الذين كانوا يتربصون بالمسلمين بعد أخذهم
هدايا عمرو من قبل.
جعفر بن أبي طالب يقرأ أمام النجاشي سورة مريم
أمام خطاب وبيان جعفر
وقد بدا عليه وكأنه بدأ يقتنع بكلامه ويهتم بأمر هذا الدين الجديد، سأله النجاشي
قائلاً: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟
قال جعفر: نعم.
قال النجاشي: اقرأه
عليَّ.
وفي الآيات التي سيقرؤها على النجاشي فكر جعفر، ثم هداه
الله إلى اختيار موفَّق، فبرغم كثرة السور التي نزلت في مكة، إلا
أنه اختار صدر سورة مريم.
اختار السورة التي
تتحدث عن عيسى وزكريا ويحيى -عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- اختار السورة
ذات السياق العذب اللطيف، تلك التي تجذب قلوب السامعين وتأخذ بألبابهم وأفئدتهم،
فتنشرح صدورهم لما جاء من عند الرحمن الرحيم، فقرأ جعفر:
{كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ
زَكَرِيَّا *..... حتى
وصل وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا
مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ
إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ
إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا * قَالَتْ
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ
كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ
وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ
مَكَانًا قَصِيًّا} [مريم:
1- 22].
لم يتحمل النصارى أثر تلك الكلمات المعجزة، فما تمالكوا
أن انهمرت دموعهم غزيرة فياضة، وبكى النجاشي حتى ابتلت لحيته، وبكى الأساقفة، ولم
تقف هدايا عمرو حائلاً بين كلام الله Uوبين قلوب السامعين،
وهنا وبوضوح أخذ النجاشي القرار وقال:
"إن هذا والذي جاء به موسى (وفي رواية: عيسى) ليخرج
من مشكاة واحدة". وإن هذا ليعد إقرارًا منه بصدق الرسالة، وصدق رسول
الله وصِدق جعفر ومن معه. ثم التفت إلى عمرو وعبد الله بن أبي ربيعة وقال لهما: "انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما
أبدًا".
وبهذا يكون الوفد
الإسلامي قد نجح أعظم نجاح، ولم ينجح في إقناع عقل النجاشي وأساقفته فقط، بل تعدى
ذلك حتى وصل إلى قلوبهم، وكانت هذه الجولة بكاملها في صفِّ المؤمنين، وهُزم سفيرا
قريش هزيمة منكرة، وذلك في أول تجربة لقريش مع المؤمنين على أرض محايدة.
سؤالي :
أين إعلامنا لنصرة الإسلام؟ أين اعلامنا لنصرة قضايانا؟ هل لنا مثيل لجعفر بن أبي
طالب يقدم الإسلام للعالم؟