تفسير سورة العلق خطبة 26جوان بجامع أم المؤمنين السيدة
عائشة رضي الله عنها
شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ
وإذا سمعت { أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } فافهم أن هناك كلمات " أنزل " و " نَزّل " و " نزل " ، فإذا سمعت كلمة " أنزل " تجدها منسوبة إلى الله دائما:إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وهو الانزال جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا أما في كلمة " نَزَلَ " فهو سبحانه يقول": نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ " الشعراء" من السماء الدنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ بمطلع سورة العلق
عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم فرجع بها رسول الله: صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي
ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } * { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } * { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }
* { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } * { أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ} * { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } *
{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } * { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } * { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } * { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } * { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } * { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } * {سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } * { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب }
سورة العلق هي فاتحة التنزيل وسورة الفاتحة هي فتحة الترتيل
تنقسم السورة إلى محاور أساسية
1الأمر بالقراءة وطلب العلم وتدوينه
2سبب طغيان الانسان وعلاجه
3مثال من طغيان الانسان :محاربة التدين
4 وموقف المسلم من الطغاة: عدم الطاعة والتصدي لهم
المحور الأول هو أمران بالقراءة اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم
جعل الله سبحانه وتعالى هذه السورة فاتحة للتنزيل مثلما جعل الفاتحة فاتحة للترتيل لتأسيس الحضارة الاسلامية والمجتمع الاسلامي قائما على القراءة وهي قراءة باسم الرب الخالق لان القراءة بغير اسم الله هي قراءة بالاستغناء عن الله تسبب الطغيان
فالقراءة التي لا تكون باسم الله تكون قراءة مصلحية ضيقة تخرب الكون وتنشر الحروب الاقتصادية والعسكرية لاستعباد الشعوب بسلاح العلم الذي يكون في النهاية خرابا عليها
أهمية التعليم بالقلم "ن والقلم وما يسطرون "لأن المعرفة لا تكون كاملة إلا بالكتابة فالقلم هو وسيط حضاري به ينقل الانسان تجارب الأجيال عبر التاريخ بالتدوين لأن الذاكرة تضعف والمعلومات تموت بموت الحفاظ لذلك لما كثر القتل في حفاظ القرآن قرر المسلمون جمع القرآن وتدوينه في مصحف واحد حتى لا يضيع بموت حفاظه
فسورة العلق تأمر بالقراءة في الكون المنظور في جميع ما خلق الله وتامر بالقراءة في الكتاب المسطور لتنظيم عالم الأرض
اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم : أكرم بني آدم بالعلم وميزه به عن جميع مخلوقاته :"وعلم آدم الأسماء كلها "
لذلك اصلاح منظومة التربية لا يكون فاعلاوجديا إلا إذا ربطنا في مدارسنا العلم بالايمان والعلم بالأخلاق
المحور الثاني :كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى والمقصود بالاستغناء هو ليس الاستغناء الحقيقي عن الله لأنه ليس في امكان مخلوق فعل ذلك بل هو توهم الاستغناء "أن رآه استغنى "في الخلق والتكوين والاهتداء إلى الصراط المستقيم
الآيات بينت سبب الطغيان وهو الخروج عن الحد وهو مخالفة الوسطية ومخالفة التوازن فليس المقصود به الدكاتورية فقط أو طغاة العالم من الحكام فقط بل كل انحراف عن الصراط المستقيم طغيان كل شيء زائد عن الحد هو طغيان "إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية "الأمة الاسلامية عندما تخرج عن حد الوسطية تطغى إما نحو التشدد أو نحو التسيب والفساد ومتى يطغى الانسان عندما يتوهم في نفسه الاستغناء
ثم بينت الآية أن علاج الطغيان هو الايمان بأنه ليس خالدا في الدنيا ويؤمن بأنه عائد إلى ربه ليحاسبه "إن إلى ربك الرجعى"فسيعرف قدره وضعفه وعجزه وربما يعود الى الصراط المستقيم
المحور الثالث :
وختمت السورة ببيان نموذج من سلوك الطغاة :"أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ؟أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ؟ أرأيت إن كذب وتولى؟ ألم يعلم بأن الله يرى؟
هذا الطاغية همه أن ينهى الناس عن العبادة نهيه عن الصلاة أي نهيه عن كل عبادة وعن كل مظهر من مظاهر التدين وهو ضد حرية التدين
أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ؟هذا انموذج في مكة في عهد رسول الله ص فكيف عالجت السورة هذا الطغيان وهذه المقاومة لمظاهر التدين؟
تعاملت معه بثلاثة طرق
النصيحة ثم تفسير السلوك وبيان الانحراف ثم التهديد
عندما قال : :"أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ؟أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ؟ أرأيت إن كذب وتولى؟ ألم يعلم بأن الله يرى؟
أما كان خيرا عوض أن يمارس العنف ضد المتدينين وضد المصلين وأن ينهى عن الصراط المستقيم كما يفعل الشيطان أما كان الأولى له أن يكون على الهدى؟وأن يكون آمرا بالتقوى؟ ولا يستطيع أن يأمر بالتقوى إلا إذا كان على الهدى ولكنه مادام على صراط أعوج فإنه ينهى عن التقوى يقوم بالعكس
الله سبحانه وتعالى يقول : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
}العكس المنافقون والمنافقات { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
لا يستثمرون ولا يفعلون الخير وهو ضد التنمية الاجتماعية والاقتصادية
هذا الطاغية ينهى عن الصلاة
ثم فسرت سبب نهيه عن الصلاة وهو التكذيب بالرسالة محمد صلى الله عليه وسلم والتولي والاعراض
قد نزلت في أبي جهل إذ مر برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يصلي عند المقام. فقال (يا محمد. ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده. فأغلظ له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانتهره..) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخناقه وقال به: { أولى لك ثم أولى } فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً، فأنزل الله: { فليدع نادية... } وقال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. ولكن دلالة السورة عامة في كل مؤمن طائع عابد داع إلى الله. وكل طاغ باغ ينهى عن الصلاة، ويتوعد على الطاعة، ويختال بالقوة.. والتوجيه الرباني الأخير { كلا! لا تطعه واسجد واقترب }..
ثم جاء التهديد :كلا لئن لم ينته,,,,,, ثم تهديد مباشر لهم
والزبانية هي ملائكة جهنم غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون سيدفعونه في جهنم بمقدم رأسه وهي الناصية وهي موطن الوعي في الدماغ وهي التي يتحكم الله بها في الجسد: ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاءك الناصية هي جوهر مسؤولية الانسان في اتخاذ القرار لذلك نسب الله سبحانه الكذب والخطأ لها كاذبة في عقيدتها خاطئة في سلوكها
ثم التفت الخطاب الى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وإلى جميع المسلمين الى يوم القيامة
"كلا لا تطعه واسجد واقترب "لماذا قال واسجد واقترب ؟لأن أكثر الناس تسجد دون اقتراب سجود لا خشوع فيه ولا روحانية في الصلاة فهذا سجود فقط ليس فيه اقتراب من الله من هنا كان السجود مقترنا بالاقتراب كما قال ص : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأخلصوا في الدعاء "
فاسجد واقترب فكأننا هنا أمام سجودين سجود بالجسد وهو الحركة وسجود بالقلب وهو الاقتراب من الخالق
جسدك عندما يقف ينقطع عن السجود وقلبك ينقطع عن السجود عندما يغفل عن ذكرالله