vendredi 12 décembre 2014

كيف عالج ذو القرنين أمة عجزت عن الدفاع عن نفسها رغم امكانياتها الهائلة؟

الرحلة الثالثة لذي القرنين


 الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، نحمده على نعمه التي لا تحصى، ما علمنا منها وما لم نعلم، ونشكره أن جعلنا من أمة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران/110.وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نفوز بها يوم نلقاه، وتكون حجاباً بيننا وبين غضبه وعذابه وشر عباده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وحبيبه وخليله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، فقد قال عز وجل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13.في الخطبة الفارطة راينا أن من الحكمة حسن تنزيل النص القرآني على الواقع الذي نعيشة لنجد أجوبة وحلولا من كتاب الله لمشاكلنا ولنتذكر دعوة سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام : : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ" أمن ورزق فاستجاب الله سبحانه وتعالى لدعوته فمنحنا من الخيرات في باطن الأرض خامات كثيرة; من أهمها النحاس، والمنجنيز، والقصدير، والبوكسايت، والفوسفات، والرصاص، والكروم، والحديدواليرانيوم والذهب ويملك العالم الاسلامي أهم مصادر الطاقة من بترول وغاز وشمس وأراضي زراعية ممتدة ورزقنا من البنين والشباب أي القوة العاملة أعطانا الله كل هذه الخيرات أي بيدنا كل وسائل التنمية الاقتصادية ولكننا أعلى نسبة فقر في العالم وأعلى معدل بطالة في العالم خيراتنا منهوبة وايراداتنا تتجاوز صادرتنا كل المصنوعات مستوردة من الابرة إلى الطائرة بل طعامنا وقمحنا مستورد  ودواؤنا مستورد لماذا وما هو الحل؟
ذكر الله سبحانه وتعالى قصة قوم يشبهنا تماما رزقهم الله كل الخيرات والمعادن ومنحهم القوة والمال لكنهم عجزوا في الدفاع عن أنفسهم  ضد عدوهم وعاشوا في خوف خيراتهم تنهب وكرامتهم تهان وأنفسهم تزهق خيراتهم أصبحت وبالا عليهم
فأستنجذوا بملك مؤمن صالح زار بلادهم وعلم مكمن دائهم تعالوا معي لنزور هذه البلاد ونرى ما حدث كما يصوره الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه العزيز ولا تنسوا أن ما يحدث لهم هو نفس ما يحدث لنا الآن
وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً }
التمكين : ملك أو قائد صالح مؤمن له دولة عظمى ممكنة في الأرض باذن الله شعاره : قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرا
تمكين يقوم على الايمان وعلى العدل بين الرعية ويقوم على العلم وليس على الخوارق والمعجزات كل انجازاته قائمة على البحث في الاسباب و اكتشاف قوانين الكون اكتشاف قوانين التاريخ دستور قائم على العدل هذه هي الأسباب "واتخذ من كل شيء سببا " فخرج بقوته العسكرية وخبرائه يسيح في أرض الله ما دخل بلدا إلا ونشر العدل فيه وساعد أهله حتى وصل في رحلته إلى مدينة وجد أهلها في انتظاره:
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا
يرحج أنه في جبال القوقاز في آسيا  ضمن سلسلة جبلية يبلغ ارتفاعها 5000متر وطولها 12ألف كم  منطقة غنية بالمعادن بمافيها النحاس والرصاص والحديد
وجد قوما لا يفهم لغتهم فاعتمد على المترجمين  قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا
قالوا يا ذا القرنين : اذن هو معروف بعدله وخيره فطلبوا نجدته وكثيرا ما تطلب شعوب بطون أرضها ملآى بالخيرات وبطون ابنائها فارغة كثيرا ما تطلب النجدة من دول أخرى فتأتي لحمايتها في الظاهر واستعمارها ونهب خيراتها واستعباد شعبها مثلما وقع في القارة الافريقية وفي القارة الأمريكية حيث نهبوا الأرض وامتصوا الخيرات وسرقوا التراث بل اختطفوا السكان وباعوهم عبيدا
قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }
ياجوج وماجوج : قوم كثيرون متوحشون ينشرون القتل والفساد سبوا أبناءهم ونساءهم وأحرقوا ممتلكاتهم
نجعل لك خرجا : أي عندما من المال ما تريد وفهم ذوالقرنين مشكلة هذا الشعب وكيفية معالجتها هذا شعب له مشكلة أمنية اعتداء من جيرانه عليه وله حل وهو بناء سد بين الجبلين يمنع مرورالأعداء  وله أموال وله خيرات وأرضه ملآى بالحديد والنحاس وله شباب قوي ويدرك الحل لمشكلته وهو بناء سد فلماذا ينتظر قدومي ولا يبنيه بنفسه؟ لماذا يقبل عيش الذل والهوان ويطلب المساعدة من الغير الذي قد يستعمره وله كل الامكانيات لنهضة علمية واقتصادية؟وأدرك ذو القرنين السبب : أنه العجز والتواكل  واستهلاك ما ينتجه الغير فقرر اصلاحهم فقال :لست بحاجة لأموالكم فالله أعطاني أفضل مما عندكم  * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ
تعالوا هاتوا شبابكم  هاتوا كل قوة عندكم تركتموها مهملة حتى تعودت على الكسل والاستهلاك  أنا أصمم السد ولكن عليكم اليد العاملة يجب أن تساهموا في بنائه كل الأمة تتعاون على البناء ففيكم طاقات في حاجة للاكتشاف والعمل فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ  : اذهبوا واستخرجوا زبر الحديد من أرضكم أنا آمركم وأنتم تنفذون حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ أي وضع قطع الحديد بعضهما فوق بعض حتى أغلق الفتحة بين الجبلين ثم أشعل تحتها نارا وقال :
 قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً حتى أصبح الحديد نار تصوروا أبناء البلد شبابه الذي تعود الكسل والنوم والسهر للفجر في المقاهي والانحلال ينفخ طيلة أيام في كتل من حديد حتى احمرت والعرق يتصبب من جبينه ثم طلب منهم احضار النحاس الذائب السائل نارا وطلب منهم الصعود به فوق الجبل ثم افراغه على الحديد alliage
 قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }
خبراؤه وعلماؤه وصلوا شوطا في البحث العلمي فأدركوا أن الحديد مع النحاس يزداد صلابة ولا أتصور أن الأمر دام يوما أو يومين بل أكيد دام أشهرا عديدة حتى تم البناء بناء عظيم صلب أغلق الفتحة بين الجبلين اغلاقا تاما
وقبيلة ياجوج وماجوج ينظرون ويراقبون ولكنهم عاجزون عن فعل أي شيء خوفا من قوة ذي القرنين وجبروته مع الظالمين فحاولوا الصعود فوقه فما استطاعوا لشدة ارتفاعه وحاولوا ثقبه ففشلوا"* { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً
الهدف الأول من الزيارة تحقق : دفع هذا الشعب نحو العمل وحسن استغلال الخيرات التي وهبها الله إياه وتوفير الأمن له, هم أغنياء لهم خيرات ولهم أموال  وقوم لديهم تخلف علمي ومعرفي كسالى اتكاليون لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ضعفاء دون قدرة لا ينتجون بمفردهم وكل أمة يكثر فيها المال والجهل تصبح اتكالية فتعتمد على الآخرين لحل قضاياها وهذا شأن المسلمين اليوم يستهلكون انتاج الغير ويأكلون من وراء البحار
الهدف الثاني : دعوة هذا الشعب للايمان بالله الذي نظر إليهم بعين الرحمة بمجيء ذي القرنين فقال : { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} قدم لهم شيئا مهما فاكتسب ثقتهم ثم تواضع لله أمامهم : هذا رحمة من ربي أعلمهم أنه مؤمن بربه وأنه رحمة من الله بهذا الشعب الكافر به و:انها دعوة لهم لدين الله عبر ما حققه لهم : * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً
}وفعلا فتح ذات ليلة شيء من الردم في عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن أُمِّ الْمُؤْمِنين أُمِّ الْحكَم زَيْنبَ بِنْتِ جحْشٍ رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزعاً يقُولُ : « لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه ، ويْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتربَ ، فُتحَ الْيَوْمَ مِن ردْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ » وَحَلَّقَ بأُصْبُعه الإِبْهَامِ والَّتِي تَلِيهَا . فَقُلْتُ: يَا رسول اللَّه أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالحُونَ ؟ قال : « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ » متفقٌ عليه .
وأغلب المفسرين أن هجوم المغول والتتارسنة656 ه في عهد الدولة العباسية  (سيد قطب الشعراوي الطاهر بن عاشور )  الذين هجموا على بغداد سنة في عهد الدولة العباسية وهناك من يقول هي من علامات الساعة الصغرى
العبر من القصة:1الأخذ بالاسباب 2التمكين في الأرض لمن جمع بين الروحي والمادي   3الأمة الوسط  4العدل بين الأمم5 قيمة العلم والبحث العلمي منتوج البحث العلمي من مجمل الناتج القومي يعني الدول العربية مثلا 0,2%، إسرائيل 4,7% أعلى نسبة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية 2,68%، اليابان 3,18%، فنلندا 3,51%  هل نحن فعلا أمة إقرأ؟؟
في مجال المطالعة في الدول العربية المعدل السنوي للقراءة لدى الفرد الواحد ربع صفحة في السنة، أعلى رقم هو في الولايات المتحدة يصل إلى 11 كتابا لكل فرد سنويا.وفي أوروبا 35 كتابا 
ملاحظة : يمكنك التأكد من صحة هذه الأرقام داخل بيتك (أنت وأفراد عائلتك كم تستهلكون من كتاب في الشهر؟) ،6التوازن بين القرنين الروحي والمادي 7التواضع 8حب الاكتشاف 9نشر الخير بين الشعوب ولوكانوا غير مسلمين10 المحافظة على خيرات الشعوب ونجدتهم 11 الأيدي النظيفة 12 حب العطاء للغير 13قيمة العمل إنما خلقت الأيدي لتعمل 14قيمة الاتقان 15التواضع وعدم الغرور16 الدعوة لدين الله عبر الانجاز وحل مشاكل الغير ونشر الأمن والسلام بينهم   
اللهمّ إنّا نسألك بأنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت الواحد الأحد الفرد الصّمد أن تحينا  حياة طيّبة وألاّ تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا  وأن تكتب لنا الجنّة أجمعين  اللهمّ صلّ على سيّدنا محمّد سيّد الأوّلين والآخرين  وشفيعنا يوم الدّين..........
اللهم انفعنا بما علّمتنا وعلّمنا ما ينفعنا ، اللهم افتح لنا بخير ، واجعل عواقب أمورنا إلى خير ، اللهم إنا نعوذ بك من فواتح الشر وخواتمه وأوله وآخره وباطنه وظاهره .
اللهم لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحداً سواك ، واجعلنا أغنى خلقك بك ، وأفقر عبادك إليك ، وهب لنا غنىً لا يطغينا ، وصحة لا تلهينا ، واجعل آخر كلامنا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان ، واجعلنا في موقف القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون برحمتك يا أرحم الراحمين يا ربّ العالمين .
 اللهم إنا نسألك إخلاص المؤمنين ومرافقة الأبرار، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك ، والفوز بالجنة والنجاة من النار .
اللهم لا تجعل لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ، ولا دَيناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا عدواً إلا كفيته ، ولا غائباً إلا رددته ، ولا عاصياً إلا عصمته ، ولا فاسداً إلا أصلحته ، ولا ميتاً إلا رحمته ، ولا عيباً إلا سترته ، ولا عسيراً إلا يسرته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضاً ، ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها في يسر منك وعافية برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهمّ  انصر إخواننا المجاهدين  في كلّ مكان وارفع راية الإسلام عالية خفّاقة لتحقّق الأمن والسّلام والسّعادة في الدّارين  واحفظ بلدنا من كيد الكائدين وسائر بلاد المسلمين واسق البلاد والعباد بغيث منك نافع غير ضارّ  إنّك على كلّ شيء قدير وارحم والدينا وجاز المحسنين والمساهمين في كلّ أبواب الخير وكلّ من ساهم في جامعنا هذا وبارك لهم في أموالهم  وصحّتهم وذريّاتهم واكتب الفلاح والنّجاح والصّلاح لأبنائنا أجمعين والحمد لله ربّ العالمين .




mardi 11 novembre 2014

كل نشاطك عبادة فحَكِمْ الله فيه قبل أن تنجزه


كل نشاطك عبادة فحَكِمْ الله فيه قبل أن تنجزه

لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأوجده في هذا الكون من أجل عمارة الأرض وعبادته وتقواه كما جاء في القرآن الكريم: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وعبادة الله تستوجب الحب والخضوع، وحب الله لا يصدق إلا باتباع أوامره واجتناب نواهيه مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]، وهكذا فإن العبادة الحقة تقوم على الخضوع لله وإخلاص المحبة له وعدم الشرك به. يقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5].
أنواع العبادات في الإسلام:5 كل نشاطك عبادة
إن العبادة في الإسلام شاملة لكل أمور الدين والدنيا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه النبوية بأن «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» [3] وعبادة الله تتطلب النية الصادقة والإخلاص في العمل والاستقامة. وتتمثل أنواع العبادات فيما يلي:

1- عبادات يؤديها المرء بجسده كالصلاة والوضوء والطهارة والصوم.
2- عبادات يؤديها المرء بماله كالزكاة والصدقات.
3- عبادات بدنية ومالية كالجهاد والحج.
4- عبادات هي عبارة عن أعمال بشرية عادية كالزراعة والتجارة والأعمال الوظيفية إلا أنها يجب أن يقصد بها إرضاء الله تعالى.
5- عبادات عقلية وفكرية كالتأمل في مخلوقات الله الذي يؤدي إلى تقوية الإيمان وتعميقه واليقين في عظمة الله وقدرته. قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190-191].وكالأمر بالمعروف وأداء الشهادة ونصرة الحق

واجب التقيد بالشرع في العبادات:
إن العبادة تتطلب التقيد بالشرع وأوامر الله ونواهيه، وعدم الوقوع في البدع والضلالات وتحليل الحرام أو تحريم الحلال مما يؤدي إلى الشرك وإحباط العمل. قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
قبل أن تقوم باي نشاط تعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتسأل أهل العلم الثقات إن اشتبهت عليك الأمور
فالتقرب إلى الله تعالى يكون بعبادته وطاعته وأداء فرائضه، واجتناب محارمه، ثم بفعل النوافل والمستحبات وترك المكروهات، فالتقرب إلى الله تعالى يكون بعبادته وطاعته وأداء فرائضه، واجتناب محارمه، ثم بفعل النوافل والمستحبات وترك المكروهات، فيصبح نشاطك من سمع وبصر ويد ورجل مطابقا لشرع الله وقد دل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنهرواه البخاري
يجب على كل مسلم مكلف أن يتعلم من الفقه كل ما يحتاج إليه في عباداته ومعاملاته ليعبد الله عن علم وليكون على بصيرة من أمره وليفهم كيف يصلي؟ وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف يحج وكيف يبيع وكيف يشتري؟ فلا يعذر أحد بالجهل لأن الله ركب فينا العقول وأرسل الرسول وأنزل القرآن وقامت حجة الله على عباده ومن لا يستطيع أن يتعلم فليسأل أهل العلم.
قال تعالى: }فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ{ [النحل: 43] ويجب على المسلم أن يتعلم العلم والفقه في دين الله ثم يعمل به ويدعو إليه ويصبر على ذلك قال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{.
وقال تعالى: }فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلهُمْ يَحْذَرُونَ{ [التوبة: 122].
فالعلم بما يجب لله على عباده فرض عين إما بقية أنواع العلوم كعلوم الصناعة والزراعة والطب والهندسة وعلم القضاء والإفتاء فهذه فرض كفاية.
وقال النبي r: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» يعني يوفقه للعلم والعمل به، والحديث متفق عليه.
الخطبة الثانية
جميع نشاط المسلم لا يخرج عن   الأحكام الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع والقياس الصحيح.
والأحكام الشرعية خمسة:
1فالواجب: هو الذي يذم تاركه شرعًا، ويثاب فاعله، ويسمى فرضًا وحتمًا ولازمًا. مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والصدق في الحديث وأداء الأمانة ونحو ذلك.

2المندوب: هو الذي يثاب فاعله ولا يذم تاركه، فإن كثرت أجوره وفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الجماعات وواظب عليه سمي سنة، وإن قلت أجوره ولم يفعله في الجماعات سمي نافلة، وإن توسط بين القسمين سمي فضيلة.
3الحرام: ما يذم فاعله ويحمد تاركه إن نوى بتركه امتثال الأمر. مثل الزنا والرشوة واستعمال المال الفاسد  وشرب الخمروبيع واستهلاك المخدرات وبيع امتحانات الباكالوريا والتزوير وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والمعاملة بالربا وقذف الناس مباشرة أو عبر النات وفرض الدروس الخاصة على التلاميذ
4المكروه:  يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله مثل تقديم اليسار عند دخول المسجد واليمين عند دخول الحمام وفرقعة الأصابع في الصلاة وتشبيكها وانفاق الوقت في التشات ووضع صور النساء  المحجبات على صفحات الفايسبوك
5المباح: هو ما لا يحمد فاعله ولا يذم تاركه،كالأكل والنوم والشرب والجنس  والعمل والتحاور مع الغير  فإن نوى بفعله وجه الله تعالى أثيب، وكذلك إذا أكل قصدًا ليتقوى على العبادة.والسياحة
وبالجملة: فكل مباح أو ترك حرام أو مكروه أريد بفعله أو تركه وجه الله تعالى فإنه يثاب عليه، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «نية المؤمن أبلغ من عمله».
وينقسم الواجب إلى فرض عين يطلب حصوله من كل مسلم بالغ عاقل مثل أركان الإسلام الخمسة،
وإلى فرض كفاية يطلب حصوله من عموم المسلمين إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين كتعلم العلوم والصناعات النافعة والجهاد والأذان  وصلاة الجنازة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكل ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة أمر به الإسلام وكل ما فيه مفسدة خالصة أو راجحة نهى عنه.
وقد أباح الله لنا كل طيب نافع وحرم علينا كل خبيث أو ضار لأجسامنا وعقولنا وأموالنا رحمة بنا وإحسانا إلينا، قال الله تعالى: في وصف نبينا محمد وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ{ [الأعراف: 157] وقال تعالى: }هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا{ [البقرة: 29] وقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{ [البقرة: 172
والله أعلم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

vendredi 10 octobre 2014

قصة الشريكين من بني اسرائيل10أكتوبر14





يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، أي: عن أحوالهم، وكيف كانوا في الدنيا،
وماذا كانوا يعانون فيها، وذلك من حديثهم على شرابهم، واجتماعهم في تنادمهم
ومعاشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم يسعون ويجيئون بكلخير عظيم؛ من مآكل ومشارب وملابس، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطرعلى قلب بشر
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة،
حدثنا عمرو بن عبد الرحمن الأبار، أخبرنا أبو حفص قال: سألت إسماعيل السدي عن هذه
الآية: { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ يَقُولُ أَءِنَّكَ
لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } قال: فقال لي: ما ذكرك هذا؟ قلت: قرأته آنفاً، فأحببت أن
أسألك عنه، فقال: أما فاحفظ، كان شريكان في بني إسرائيل، أحدهما مؤمن والآخر كافر،
فافترقا على ستة آلاف دينار، لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار، ثم افترقا فمكثا ما
شاء الله تعالى أن يمكثا، ثم التقيا، فقال الكافر للمؤمن: ما صنعت في مالك؟ أضربت
به شيئاً؟ أتجرت في شيء؟ فقال له المؤمن: لا، فما صنعت أنت؟ فقال: اشتريت به أرضاً
ونخلاً وثماراً وأنهاراً بألف دينارــــ قال: ــــ فقال له المؤمن: أو فعلت؟ قال:
نعم، ــــ قال: ــــ فرجع المؤمن، حتى إذا كان الليل، صلى ما شاء الله تعالى أن
يصلي، فلما انصرف، أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه، ثم قال: اللهم إن فلاناً ــــ
يعني: شريكه الكافر ــــ اشترى أرضاً ونخلاً وثماراً وأنهاراً بألف دينار، ثم يموت
غداً ويتركها، اللهم إني اشتريت منك بهذه الألف دينار أرضاً ونخلاً وثماراً
وأنهاراً في الجنة ــــ قال: ــــ ثم أصبح فقسمها في المساكين ــــ قال ــــ ثم
مكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا، ثم التقيا، فقال الكافر للمؤمن: ما صنعت في
مالك، أضربت به في شيء؟ أتجرت به في شيء؟ قال: لا، قال: فما صنعت أنت؟ قال: كانت
ضيعتي قد اشتد علي مؤنتها، فاشتريت رقيقاً بألف دينار يقومون لي فيها، ويعملون لي
فيها، فقال له المؤمن: أو فعلت؟ قال: نعم ــــ قال: ــــ فرجع المؤمن، حتى إذا كان
الليل، صلى ما شاء الله تعالى أن يصلي، فلما انصرف، أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه
ثم قال: اللهم إن فلاناً ــــ يعني شريكه الكافرــــ اشترى رقيقاً من رقيق الدنيا
بألف دينار، يموت غداً فيتركهم، أو يموتون فيتركونه، اللهم إني اشتريت منك بهذه
الألف الدينار رقيقاً في الجنة ــــ قال: ــــ ثم أصبح فقسمها في المساكين ــــ
قال: ــــ ثم مكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا، ثم التقيا، فقال الكافر للمؤمن: ما
صنعت في مالك؟ أضربت به في شيء؟ أتجرت به في شيء؟ قال: لا، فما صنعت أنت؟ قال: كان
أمري كله قد تم إلا شيئاً واحداً، فلانة قد مات عنها زوجها، فأصدقتها ألف دينار،
فجاءتني بها ومثلها معها، فقال له المؤمن: أو فعلت؟ قال: نعم، قال: فرجع المؤمن،
حتى إذا كان الليل، صلى ما شاء الله تعالى أن يصلي، فلما انصرف، أخذ الألف الدينار
الباقية، فوضعها بين يديه وقال: اللهم إن فلاناً ــــ يعني شريكه الكافر ــــ تزوج
زوجة من أزواج الدنيا بألف دينار، فيموت غداً فيتركها، أو تموت غداً فتتركه، اللهم
وإني أخطب إليك بهذه الألف الدينار حوراء عيناء في الجنة ــــ قال ــــ ثم أصبح
فقسمها بين المساكين ــــ قال: ــــ فبقي المؤمن ليس عنده شيء
.
قال: فلبس قميصاً من
قطن، وكساء من صوف، ثم أخذ مراً فجعله على رقبته، يعمل الشيء، ويحفر الشيء بقوته.
قال: فجاءه رجل فقال له: يا عبد الله أتؤاجرني نفسك مشاهرة شهراً بشهر تقوم على
دواب لي، تعلفها وتكنس سرقينها؟ قال: أفعل، قال: فواجره نفسه مشاهرة شهراً بشهر
يقوم على دوابه، قال: وكان صاحب الدواب يغدو كل يوم ينظر إلى دوابه، فإذا رأى منها
دابة ضامرة، أخذ برأسه فوجأ عنقه، ثم يقول له: سرقت شعير هذه البارحة ــــ قال
ــــ فلما رأى المؤمن هذه الشدة قال: لآتين شريكي الكافر، فلأعملن في أرضه،
فليطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم، ويكسوني هذين الثوبين إذا بليا، قال: فانطلق
يريده، فانتهى إلى بابه وهو ممس، فإذا قصر مشيد في السماء، وإذا حوله البوابون،
فقال لهم: استأذنوا لي على صاحب هذا القصر؛ فإنكم إذا فعلتم سره ذلك، فقالوا له:
انطلق إن كنت صادقاً فنم في ناحية، فإذا أصبحت فتعرض له. قال: فانطلق المؤمن فألقى
نصف كسائه تحته ونصفه فوقه ثم نام، فلما أصبح أتى شريكه فتعرض له، فخرج شريكه
الكافر وهو راكب، فلما رآه عرفه، فوقف وسلم عليه وصافحه، ثم قال له: ألم تأخذ
المال مثل ما أخذت؟ قال: بلى، قال: وهذه حالي وهذه حالك؟ قال: بلى، قال: أخبرني ما
صنعت في مالك؟ قال: لا تسألني عنه، قال: فما جاء بك؟ قال: جئت أعمل في أرضك هذه،
فتطعمني هذه الكسرة يوماً بيوم، وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا، قال: لا، ولكن
أصنع بك ما هو خير من هذا، ولكن لا ترى مني خيراً حتى تخبرني ما صنعت في مالك،
قال: أقرضته، قال: من؟ قال: المليء الوفي، قال: من؟ قال: الله ربي، قال: وهو
مصافحه، فانتزع يده من يده، ثم قال: { أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ أَءِذَا
مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } قال السدي:
محاسبون، قال: فانطلق الكافر وتركه، قال: فلما رآه المؤمن، وليس يلوي عليه، رجع وتركه،
يعيش المؤمن في شدة من الزمان، ويعيش الكافر في رخاء من الزمان، قال: فإذا كان يوم
القيامة، وأدخل الله تعالى المؤمن الجنة، يمر فإذا هو بأرض ونخل وثمار وأنهار
فيقول: لمن هذا؟ فيقال: هذا لك، فيقول: يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب
بمثل هذا؟ قال: ثم يمر فإذا هو برقيق لا تحصى عدتهم، فيقول: لمن هذا؟ فيقال: هؤلاء
لك، فيقول يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا، قال ثم يمر، فإذا
هو بقبة من ياقوته حمراء مجوفة، فيها حوراء عيناء، فيقول: لمن هذه؟ فيقال: هذه لك،
فيقول: يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ قال: ثم يذكر المؤمن
شريكه الكافر، فيقول: { إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ
ٱلْمُصَدِّقِينَ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءِنَّا
لَمَدِينُونَ } قال: فالجنة عالية، والنار هاوية، قال: فيريه الله تعالى شريكه في
وسط الجحيم من بين أهل النار، فإذا رآه المؤمن عرفه فيقول: { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ
لَتُرْدِينِ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ أَفَمَا
نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ
ٱلْعَـٰمِلُونَ } بمثل ما قد منّ عليه
.
قال: فيتذكر المؤمن ما مر عليه في الدنيا من
الشدة، فلا يذكر مما مر عليه في الدنيا من الشدة أشد عليه من الموت
.
المال مال الله عز
وجل، وقد استخلف ـ تعالى ـ عباده فيه ليرى كيف يعملون، ثم هو سائلهم عنه إذا قدموا
بين يديه: من أين جمعوه؟ وفيمَ أنفقوه؟ فمن جمعه من حله وأحسن الاستخلاف فيه فصرفه
في طاعة الله ومرضاته أثيب على حسن تصرفه، وكان ذلك من أسباب سعادته، ومن جمعه من
حرام أو أساء الاستخلاف فيه فصرفه فيما لا يحل عوقب، وكان ذلك من أسباب شقاوته إلا
أن يتغمده الله برحمته
.
وحديث: "من
أفضل العمل: إدخال السرور على المؤمن: يقضي عنه ديناً، يقضي له حاجة، ينفس له
كربة"(4). بل إن الصدقة لتباهي غيرها من الأعمال وتفخر عليها؛ وفي ذلك يقول
عــمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: "إن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا
أفضلكم"(5
).
إذ البلاء لا يتخطى الصدقة؛ فهي تدفع المصائب والكروب والشدائد
المخوِّفة، وترفع البلايا والآفات والأمراض الحالَّة، دلت على ذلك النصوص، وثبت
ذلك بالحس والتجربة
.

فمن الأحاديث الدالة على ذلك قوله صلى
الله عليه وسلم : "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات"
(14)، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ: "وفعل
المعروف يقي مصارع السوء" (15)، ومنها: حديث رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ
مرفوعاً: "الصدقة تسد سبعين باباً من السوء"(16
).


ومنها: قوله ـ تعالى ـ: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة
{البقرة: 245} قال الجصاص مبيناً علة تسمية الله للصدقة
قرضاً: "سماه الله قرضاً تأكيداً
لاستحقاق الثواب به؛ إذ لا يكون قرضاً إلا والعوض مستحق به"(27)، وعلل ذلك
ابن القيم بأن "الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد؛ طوعت له نفسه،
وسهل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض مليء وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله
وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه، وينميه له ويثمره حتى يصير
أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده بعطائه أجراً
آخر من غير جنس القرض... فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل أو الشح
أو عدم الثقة بالضمان"(28
).

ومنها: قوله ـ عز وجل ـ: مثل الذين
ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله
يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم {البقرة: 261} والتي لها أثر عظيم في دفع العبد
إلى الصدقة؛ إذ يضاعف الله له بلا عدة ولا حساب، من رحمته ـ سبحانه ـ ورزقه الذي
لا حدود له ولا مدى(29
).

ومن الأحاديث الدالة على عظم أجر الصدقة: قوله صلى
الله عليه وسلم : "ما تصدق أحد بصدقة من طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ إلا
أخذها الرحمن بيمينه ـ وإن كان تمرة ـ فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل؛