الْخِطَابُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أكثر من خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا
أَحَدُهَا خِطَابُ الْعَامِ
وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ كَقَوْلِه: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ
قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ
وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ }
وَالثَّانِي: خِطَابُ الْخَاصِّ
وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ كَقَوْلِه:
{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }
} * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }
} * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
الثَّالِثُ: خِطَابُ الْعَامِّ
وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ كَقَوْلِه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ} [الْحَجّ: 1]، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْأَطْفَالُ
وَالْمَجَانِينُ.
الرَّابِعُ: خِطَابُ الْخَاصِّ
وَالْمُرَادُ الْعُمُومُ كَقَوْلِه: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ
تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ
ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَمْراً }افْتَتَحَ الْخِطَابَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ سَائِرُ مَنْ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ،
السَّابِعُ: خِطَابُ الْعَيْنِ،
نَحْو: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ} [الْبَقَرَة: 65]، {يَا نُوحُ
اهْبِطْ} [هُودٍ: 48]، {يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ}
[الصَّافَّات: 104، 105]، {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ} [النَّمْل:
10]. {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [آلِ عِمْرَانَ: 55]، وَلَمْ
يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ الْخِطَابُ بِيَا مُحَمَّدُ بَلْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ،
يَا أَيُّهَا الِرَسُولُ؛ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَشْرِيفًا وَتَخْصِيصًا بِذَلِكَ
عَمَّا سِوَاهُ، وَتَعْلِيمًا لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُنَادُوهُ بِاسْمِهِ.
الثَّامِنُ: خِطَابُ الْمَدْحِ،
نَحْو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الْبَقَرَة: 104]،
وَلِهَذَا وَقَعَ الْخِطَابُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا [الْأَنْفَال: 74].قل يا عبادي
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا
سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ
فَإِنَّهُ خَيْرٌ يُؤْمَرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ يُنْهَى عَنْهُ.
التَّاسِعُ: خِطَابُ الذَّمِّ،
نَحْو: {{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ }[التَّحْرِيم:
7]، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الْكَافِرُونَ: 1]،
وَلِتَضَمُّنِهِ الْإِهَانَةَ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ
الْمَوْضِعَيْنِ، وَأَكْثَرُ الْخِطَابِ بِـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)
عَلَى الْمُوَاجَهَةِ، وَفِي جَانِبِ الْكُفَّارِ جِيءَ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ
إِعْرَاضًا عَنْهُمْ كَقَوْلِه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[الْبَقَرَة: 6]، { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ
سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ }[الْأَنْفَال: 38].
الْعَاشِرُ: خِطَابُ الْكَرَامَةِ
كَقَوْلِه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} قَالَ
بَعْضُهُمْ: وَنَجِدُ الْخِطَابَ بِالنَّبِيِّ فِي مَحَلٍّ لَا يَلِيقُ بِهِ
الرَّسُولُ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّشْرِيعِ الْعَامِّ {يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [الْمَائِدَة:
67]،، وَفِي مَقَامِ الْخَاصِّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا
أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التَّحْرِيم: 1]،
الْحَادِي عَشَرَ: خِطَابُ
الْإِهَانَةِ، نَحْو: { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ
حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { قَالَ فَٱخْرُجْ
مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } * { وَإِنَّ عَلَيْكَ
ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ }[الْحِجْر:
34]،
الثَّانِي عَشَرَ: خِطَابُ التَّهَكُّمِ، نَحْو: { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ }
* { ثُمَّ
صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ }{ ذُقْ
إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [الدُّخَان:
49]الدُّخَان: .قال عكرمة: " التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو جهل فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«إن الله أمرني أن أقول لك أوْلَى لك فأولىفقال: بأي شيء تهدّدني! والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً، إني لمن أعز هذا الوادي وأكرمه على قومه؛ فقتله الله يوم بدر وأذلّه ونزلت هذه الآية» " أي يقول له الملَك: ذق إنك أنت العزيز الكريم بزعمك.
الثَّالِثَ عَشَرَ: خِطَابُ الْجَمْعِ
بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، نَحْو: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الِانْفِطَار: 6].
الرَّابِعَ عَشَرَ: خِطَابُ
الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، نَحْو: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَاتِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 51]، فَهُوَ خِطَابٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ؛ إِذْ لَا نَبِيَّ مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَجَعَلَ
مِنْهُ بَعْضُهُمْ: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 99]؛ أَي:
ارْجِعْنِي. وَقِيلَ: رَبِّ خِطَابٌ لَهُ تَعَالَى، وَارْجِعُونِ
لِلْمَلَائِكَةِ.وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: هُوَ قَوْلُ مَنْ حَضَرَتْهُ
الشَّيَاطِينُ وَزَبَانِيَةُ الْعَذَابِ، فَاخْتَلَطَ فَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ
مِنَ الشَّطَطِ، وَقَدِ اعْتَادَ أَمْرًا يَقُولُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدِّ
الْأَمْرِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: خِطَابُ
الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ، نَحْو: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ}
[ق: 24]، وَالْخِطَابُ لِمَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ، وَقِيلَ: لِخَزَنَةِ
النَّارِ وَالزَّبَانِيَةِ فَيَكُونُ مِنْ خِطَابِ الْجَمْعِ بِلَفْظِ
الِاثْنَيْنِ. وَقِيلَ: لِلْمَلَكَيْنِ الْمُوَكَّلَيْنِ فِي قَوْلِه:
{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21]، فَيَكُونُ
عَلَى الْأَصْلِ.
وَجَعَلَ الْمَهْدَوِيُّ مِنْ هَذَا
النَّوْعِ قَالَ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يُونُسَ: 89]،
قَالَ: الْخِطَابُ لِمُوسَى وَحَدَهُ؛ لِأَنَّهُ الدَّاعِي وَقِيلَ: لَهُمَا
لِأَنَّ هَارُونَ أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ وَالْمُؤَمِّنُ أَحَدُ الدَّاعِيَيْنِ.
السَّادِسَ
عَشَرَ: خِطَابُ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِه: {فَمَنْ
رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طَه: 49]؛ أَيْ: وَيَا هَارُونُ لاحظوا دقة التعبير
القرآني : { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ
كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }
فرعون
لعنه الله أمام الملأ يسأل هارون وموسى عليهما
السلام :فمن ربكما؟ثم يطلب من موسى الإجابة بقوله يا موسى؟؟ لماذا اختيار موسى؟؟
وَفِيهِ
وَجْهَان: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالنِّدَاءِ لِإِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِالتَّرْبِيَةِ.
وَالْآخَرُ:
لِأَنَّهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَالْآيَاتِ، وَهَارُونُ تَبَعٌ لَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ
عَطِيَّةَ.
وَذُكِرَ
فِي الْكَشَّافِ :وَهُوَ أَنْ هَارُونَ لَمَّا كَانَ أَفْصَحَ مِنْ مُوسَى نَكَبَ فِرْعَوْنُ
عَنْ خِطَابِهِ حَذَرًا مِنْ لِسَانِهِ.
أي
فرعون يعلم أن موسى سيتلعثم في الاجابة
بسبب العقدة في لسانه فأراد احراجه لكن الله استجاب لدعاء موسى السابق
{ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ
عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي }فاطلق لسانه فأجاب بكل وضوح:
{ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }
وَمَثْلُهُ {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طَه:
177]، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَفْرَدَهُ بِالشَّقَاءِ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ
أَوَّلًا وَالْمَقْصُودُ فِي الْكَلَامِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ
الشَّقَاءَ فِي مَعِيشَةِ الدُّنْيَا فِي جَانِبِ الرَّجَالِ.
وَقِيلَ: إِغْضَاءٌ عَنْ ذِكْرِ
الْمَرْأَةِ كَمَا قِيلَ: مِنَ الْكَرَمِ سَتْرُ الْحَرَمِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: خِطَابُ
الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَقَوْلِه: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا
بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ
وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }[يُونُسَ:
87].بشارة بوجود مؤمنين
التَّاسِعَ عَشَرَ: خِطَابُ الْجَمْعِ
بَعْدَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ} [الطَّلَاق: 1].
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ
الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَيْرُ، نَحْو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [الْأَحْزَاب: 1].
الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ تَقِيًّا وَحَاشَاهُ مِنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ. وَمِنْهُ:
{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ
يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ} الْآيَةَ [يُونُسَ: 94]. حَاشَاهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّكِّ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ
التَّعْرِيضُ بِالْكُفَّارِ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: لَمْ يَشُكَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْأَلْ، وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الْآيَةَ [الزُّخْرُف: 45]. {فَلَا
تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الْأَنْعَام: 35]، وَأَنْحَاءُ ذَلِكَ.
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ:
الْخِطَابُ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُقْصَدُ بِهِ مُخَاطَبٌ مُعَيَّنٌ، نَحْو: أَلَمْ تَرَ أَنَّ
ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ
وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ
ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ
مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } [الْحَجّ: 18].
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: خِطَابُ
التَّهْيِيجِ، نَحْو: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ} [الْمَائِدَة: 23].
الثَّلَاثُونَ:
خِطَابُ التَّحَنُّنِ وَالِاسْتِعْطَافِ، نَحْو: { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ
تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً
إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزُّمَر: 53].
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: خِطَابُ
التَّحَبُّبِ، نَحْو: { وَٱذْكُرْ
فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً }
* { إِذْ
قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ
يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً }
* { يٰأَبَتِ
إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ
صِرَاطاً سَوِيّاً }
* { يٰأَبَتِ
لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً }
* { يٰأَبَتِ
إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ
لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }}
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: خِطَابُ
التَّعْجِيزِ، نَحْو: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ
بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }}
[الْبَقَرَة: 23].
فَائِدَةٌ:
قَالَ ابْنُ الْقَيِّم: تَأْمَّلْ
خِطَابَ الْقُرْآنِ تَجِدْ مَلِكًا لَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْحَمْدُ
كُلُّهُ، أَزِمَّةُ الْأُمُورِ كُلُّهَا بِيَدِهِ، وَمَصْدَرُهَا مِنْهُ
وَمَوْرِدُهَا إِلَيْهِ، مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ
خَافِيَةٌ مِنْ أَقْطَارِ مَمْلَكَتِهِ، عَالِمًا بِمَا فِي نُفُوسِ عَبِيدِهِ،
مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ، مُنْفَرِدًا بِتَدْبِيرِ
الْمَمْلَكَةِ، يَسْمَعُ وَيَرَى وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ،
وَيُكْرِمُ وَيُهِينُ، وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، وَيُقَدِّرُ
وَيَقْضِي وَيُدَبِّرُ الْأُمُورَ نَازِلَةً مِنْ عِنْدِهِ دَقِيقَهَا
وَجَلِيلَهَا وَصَاعِدَةً إِلَيْهِ لَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ،
وَلَا تَسْقُطُ وَرَقَةٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ.
فَتَأَمَّلْ كَيْفَ تَجِدُهُ يُثْنِي
عَلَى نَفْسِهِ، وَيُمَجِّدُ نَفْسَهُ، وَيَحْمَدُ نَفْسَهُ، وَيَنْصَحُ
عِبَادَهُ، وَيَدُلُّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ،
وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهِ وَيُحَذِّرُهُمْ مِمَّا فِيهِ هَلَاكُهُمْ، وَيَتَعَرَّفُ
إِلَيْهِمْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيَتَحَبَّبُ إِلَيْهِمْ بِنِعَمِهِ
وَآلَائِهِ، يُذَكِّرُهُمْ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِمَا
يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ تَمَامَهَا، وَيُحَذِّرُهُمْ مَنْ نِقَمِهِ، وَيُذَكِّرُهُمْ
بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ إِنْ أَطَاعُوهُ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ
مِنَ الْعُقُوبَةِ إِنْ عَصَوْهُ، وَيُخْبِرُهُمْ بِصُنْعِهِ فِي أَوْلِيَائِهِ
وَأَعْدَائِهِ، وَكَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَةُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَيُثْنِي
عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْسَنِ أَوْصَافِهِمْ، وَيَذُمُّ
أَعْدَاءَهُ بِسَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ وَقَبِيحِ صِفَاتِهِمْ، وَيَضْرِبُ
الْأَمْثَالَ، وَيُنَوِّعُ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ، وَيُجِيبُ عَنْ شُبَهِ
أَعْدَائِهِ أَحْسَنَ الْأَجْوِبَةِ، وَيُصَدِّقُ الصَّادِقَ، وَيَكْذِّبُ
الْكَاذِبَ، وَيَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ وَيَدْعُو إِلَى دَارِ
السَّلَامِ، وَيَذْكُرُ أَوْصَافَهَا وَحُسْنَهَا وَنَعِيمَهَا، وَيُحَذِّرُ مِنْ
دَارِ الْبَوَارِ وَيَذْكُرُ عَذَابَهَا وَقُبْحَهَا وَآلَامَهَا، وَيُذَكِّرُ
عِبَادَهُ فَقْرَهُمْ إِلَيْهِ وَشَدَّةَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ،
وَأَنَّهُمْ لَا غِنَى لَهُمْ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَيُذَكِّرُهُمْ غِنَاهُ عَنْهُمْ
وَعَنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ، وَأَنَّهُ الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا
سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنَالُ أَحَدٌ
ذَرَّةً مِنَ الْخَيْرِ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَلَا
ذَرَّةً مِنَ الشَّرِّ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ،
وَتَشْهَدُ مِنْ خِطَابِهِ عِتَابَهُ لِأَحْبَابِهِ أَلْطَفَ عِتَابٍ، وَأَنَّهُ
مَعَ ذَلِكَ مُقِيلٌ عَثَرَاتِهِمْ، وَغَافِرٌ ذِلَّاتِهِمْ وَمُقِيمٌ
أَعْذَارَهُمْ وَمُصْلِحٌ فَسَادَهُمْ، وَالدَّافِعُ عَنْهُمْ وَالْمُحَامِي
عَنْهُمْ، وَالنَّاصِرُ لَهُمْ وَالْكَفِيلُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَالْمُنَجِّي
لَهُمْ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ، وَالْمُوَفِّي لَهُمْ بِوَعْدِهِ، وَأَنَّهُ
وَلِيُّهُمُ الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُمْ سِوَاهُ، فَهُوَ مَوْلَاهُمُ الْحَقُّ
وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى عَدْوِّهِمْ فَنِعَمَ الْمَوْلَى وَنَعِمَ النَّصِيرُ.
وَإِذَا شَهِدَتِ الْقُلُوبُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَلِكًا عَظِيمًا، جَوَادًا رَحِيمًا جَمِيلًا، هَذَا شَأْنُهُ
فَكَيْفَ لَا تُحِبُّهُ وَتُنَافِسُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ، وَتُنْفِقُ
أَنْفَاسَهَا فِي التَّوَدُّدِ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْهَا مَنْ كُلِّ
مَا سِوَاهُ، وَرِضَاهُ آثَرَ عِنْدَهَا مِنْ رِضَا كُلِّ مَنْ سِوَاهُ!
وَكَيْفَ لَا تَلْهَجُ بِذِكْرِهِ وَتُصَيِّرُ حُبَّهُ وَالشَّوْقَ إِلَيْهِ
وَالْأُنْسَ بِهِ هُوَ غِذَاؤُهَا وَقُوَّتُهَا وَدَوَاؤُهَا، بِحَيْثُ إِنْ
فَقَدَتْ ذَلِكَ فَسَدَتْ وَهَلَكَتْ وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِحَيَاتِهَا.
فَائِدَةٌ:
قَالَ بَعْضُ الْأَقْدَمِينَ:
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثِينَ، نَحْوًا، كُلُّ نَحْوٍ مِنْهُ غَيْرُ
صَاحِبِهِ، فَمَنْ عَرَفَ وُجُوهَهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ أَصَابَ
وَوُفِّقَ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَتَكَلَّمَ فِي الدِّينِ كَانَ الْخَطَأُ
إِلَيْهِ أَقْرَبَ، وَهِيَ: الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ، وَالنَّاسِخُ
وَالْمَنْسُوخُ، وَالْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ،
وَالْمَقْطُوعُ وَالْمَوْصُولُ، وَالسَّبَبُ وَالْإِضْمَارُ، وَالْخَاصُّ
وَالْعَامُّ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَالْحُدُودُ
وَالْأَحْكَامُ، وَالْخَبَرُ وَالِاسْتِفْهَامُ وَالْأُبَّهَةُ، وَالْحُرُوفُ
الْمُصَرَّفَةُ، وَالْإِعْذَارُ وَالْإِنْذَارُ، وَالْحُجَّةُ وَالِاحْتِجَاجُ،
وَالْمَوَاعِظُ وَالْأَمْثَالُ وَالْقَسَمُ.